الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الإله الجوهري: مهرجان خريبكة السينمائي وصائدي النعام..

عبد الإله الجوهري: مهرجان خريبكة السينمائي وصائدي النعام.. عبد الإله الجوهري
في مغرب المفارقات القاتلة، واتقان ركوب الأمواج، ومطاردة الأرواح الشريرة والخيرة في نفس الآن، انبرى، دون سابق انذار، "مناضل" من مناضلي الحركة السوليمائية المغربية الهجينة القادرة على التلون حسب المصالح وعمق الأهواء.
"مناضل" قادم من زمن سنوات الرصاص السوليمائي، الرصاص الذي لم يمسسه وصحبه وقتها وبعدها بالسوء، نظرا لانحيازه التام لشعارات الظلم، ودفاعه المستميت عن سلطة الفرد الواحد الأحد، وتمجيد حضوره الرباني الذي لا يقهر. 
"مناضل" عاش سنوات طويلة كالحمل الوديع، يلوذ بالصمت في كنف السلام والاستسلام، والاستفادة في فضاء المصالح الخاصة، المصالح الذاتية الذاوية التي كان يمني النفس من خلالها، لكي يصبح "بدفيعة" صاحب مهرجان "كبير" في موارده، و"مخرجا" نحريرا يقترف الأفلام تلو الأفلام. 
"مناضل"، بعد أن مات السيد الراعي الرسمي لمسيرته، أصبح يناهض الظلم واليتم، وفي نفس الوقت يتطلع لكسب شيء من نفوذ المرحلة، من خلال مسايرة الأرملة التي سعت إلى افتكاك "الإرث" الذي خلفه زوجها، على الرغم من أنها، ومعها من يزغرد لخرجاتها، منهم صاحبنا الأغر، تعرف أن التقاليد الثقافية الجمعوية الواضحة تتلخص في: " نحن معشر الرؤساء لا نورث". 
لهذا انبرى "المناضل"، وسيرا على عادته الذميمة المذمومة، في الركوب على صهوة الحصان الخشبي، والترافع بالسيف/ الصوت المخنوق، من خلال كتابة مقال جد مهلهل، مقال مصاب بداء فقدان المناعة المعرفية والفكرية المكتسبة. تحدث فيه بكل ديماغوجية، عن الشرعية التاريخية، ومفاهيم الديموقراطية، وضرورة احكام العقل في اختيار من يجب أن يحتل مكان ومكانة الرئيس الراحل، رافضا شرعية السيد الحبيب المالكي، الذي تم اختياره بشكل "ديموقراطي"، شكل جد مختلف عن المنطق، الذي كان سائدا أيام اختيار سيده الراحل، في مجالس ادارية لا تملك من الشرعية غير الاسم، حيث لم يكن أصلا وقتها أي تصويت ولا إجماع إلا اجماع: "اللي قالها المخزن السينمائي هي اللي تكون".
صاحبنا بدأ مقالته باستشهاد لإدغار موران، استشهاد لا يعني أن صاحبنا قرأ وتدبر جيدا الكتابات العالمة لهذا المفكر الكبير، وحتى لو كان قد قرأه، فأنا شخصيا، لا أعتقد أنه فهم كتاباته جيدا، وحتى إن لذت بالنية وحسن الظن، سأقول إنه قرأ وفهم، لكن، ولأهداف مصلحية، وظف المعاني وأبعاد الاستشهاد في غير سياقه، لحاجة في النفس الأمارة بالسوء ومطمح قلب الحقائق، وقبل ذلك استعراض بعضا من العضلات المعرفية، حتى يستطيع أن يوهم القراء بقوة الحجة والمنطق، في اللحظة نفسها التي كان، عن وعي تام، يخنق الحقيقة خنقا، من خلال نثر رماد الشعبوية القاتل. والدليل على ذلك، أن الاستشهاد الذي بدأ به المقالة/ المرثية، تؤكد، بشكل عكسي واضح، أن المعنى يخصه، ويخص من يقف وراءه ويصفق له، معنى عدم امتلاك المعرفة كاملة، أو امتلاكها ومحاولة التلاعب بها كما سنبين أدناه. 
لو كان صاحبنا يملك ضميرا نظيفا، أو حسا تاريخيا حقيقيا، بالمعطيات والمسارات والرموز والوقائع الخاصة بمهرجان خريبكة السينمائي، لما تجرأ، أو كتب ما كتب في هذا الوقت بالضبط، وقت تكالب أعداء السينما على السينما، ورقص الديكة المذبوحة، والعتاريس التي تريد أن تعاكس مجريات التاريخ وتسعى لنطح الصخور الصلدة، بقرونها الواهية، من أجل كسرها.  
لن أكرر الكلام المكرر، عن أهمية المهرجان، ومكانته وطنيا ودوليا خاصة في القارة الإفريقية، ولن أتحدث عن الأدوار الثقافية التي لعبها لسنوات طويلة، ولعبتها معه، ومن خلالها، بعض الفعاليات التي تم طمس أدوارها بمنهجية لئيمة. كما لن أزايد، مع من يحب المزايدة، أو العوم في البرك الآسنة، أو محاولة ركوب صهوة التهافت، ولبس عباءة فضفاضة من البطولة، بطولة زائفة، بعد نهاية الأحداث التي أكدت أن ما وقع في خريبكة، مؤخرا، أمر جد مربك لصاحبنا، لحد أنه أحس، ومن معه، بالتغيير الملحوظ في الموازين التي كان يزن بها مصالحه، فطلع علينا، بكتابة منرفزة، بل كتابة جافة مهلههلة غارقة في المزايدة المجانية، وخالية من كل معنى إلا معنى: "أنا أكتب إذن أنا موجود". لهذا، سأحاول الدخول مباشرة في صلب الادعاءات، التي جاءت في مقالته الكسيحة الغارقة في الفهم الزائد، والمعرفة الناقصة المعتمدة على ذاكرة سمكية، ذاكرة لا يمكن أن تجعل منه الرجل الموثوق فيه، و"الحكيم" المنافح عن الفعل السينمائي المغربي بكل تجرد ومصداقية (كما يعتقد ويريدنا أن نعتقد)، بل مقالة تكرس قناعتنا أن الرجل، وكعادته منذ سنوات، يخبط خبط عشواء، ويضرب أخماسا بأسداس، ويسعى لجمع الحطب في الليل البهيم، كما وصف أمثاله المعتزلي إبراهيم النظام. 
للرد على ما جاء في المقالة الغارقة في اللجاجة والفجاجة المعرفية، نتوكل على إرادة قول الحقيقة، والصدع بها في الوجه مباشرة، دون لف أو دوران، ولنخلص بعدها على أن المقالة فمها أبخر.  
أولا- حاول كاتبنا النحرير، المنافح عنا وعن عزة سينمانا، أن يقنعنا، بفرنسيته المقعرة، أن مهرجان خريبكة كان دائما مهرجانا للمغرب والمغاربة، أي مهرجانا لكل المغاربة. أمر يجعل القارئ العارف المتتبع، يضحك من سذاجة الطرح، وضعف الادعاء، لو عاد للوراء بذاكرته، وأطل من ثقب غير ثقب المصلحة الخاصة، سيقر أن المهرجان، في عهد الراحل، كان مهرجانا لكمشة من الناس، وأن العديد من السينمائيين المغاربة، والفاعلين الثقافيين الحقيقيين المتنورين اليقظين، لم يكونوا في يوم من الأيام في سجله أو أنشطته، لأن الرئيس المرحوم، وهي حقيقة يعرفها القاصي والداني، كان يكره كرها تاما اليقظة والمعارف التي قد تزاحم أستاذيته المطلقة، بل بعضا من هؤلاء، لم يكن الراحل، غفر الله لنا وله، لا يطيق حتى النظر في وجوههم، أو سماع اسمائهم في حضرته. كما أن البعض الآخر، وعلى الرغم من أنهم كانوا في فترات معينة من الأصدقاء المقربين، فقد عمل، بوسائل شتى، من أجل طردهم من "جنته" المهرجانية، لأن تصرفاتهم ومواقفهم كانت تثير غضبه، مادام لم يخضعوا للخلط بين الصداقة والتبعية لأهوائه، الاهواء القائمة على الطاعة المطلقة. 
ثانيا- الادعاء أن رحيل الرئيس عن دنيانا خلف فراغا قاتلا، وبالتالي ليس هناك من يمكن أن يحتل مكانه أو مكانته وسطوته، نظرا لقيمته الفكرية وعلاقاته الإنسانية المتشعبة. 
كلام مضروب في عمقه وحقيقته، لأن الجميع يعرف أن المغرب الثقافي السينمائي يكتنز طاقات ثقافية واعدة، بعضها كان يمكن أن تشكل امتدادا له ولكاريزميته الطاغية، بل منها من كان بالإمكان أن تتجاوزه في الحضور والعطاء من داخل مؤسسة المهرجان، والامتداد في القارة الثقافية الافريقية، طاقات للأسف تم اغتيالها من طرفه بشكل مباشر، أو من خلال هجومات ومؤامرات، بعضا من أفراد زبانيته وحاملي لواء تفرده دون غيره. 
صديقنا "المنافح"( من النفحة)، واحد من هؤلاء الذين باركوا لسنوات السياسات الإقصائية تجاه الطاقات الواعدة، مقابل أن يحظى بمعاني التبريك والتبجيل والرضا، وطبعا الحصول على مساندة غير مشروعة للمهرجان الذي يشرف عليه، مهرجان ورغم أهميته في دعم الطاقات الهاوية والتعريف بها، إلا أنه كان يحصل من الراحل، باعتباره مديرا للمركز السينمائي، دعما أكثر بكثير من قيمته وحجمه ماديا ومعنويا، مع تجييش من يدور في فلكه، للوقوف إلى جانبه، والذهاب لحضور فعالياته. مباركة لمهرجان هاو (وغيره من المهرجانات التي اختنقت بمجرد رحيله)، كانت تقابلها، مؤامرات، وضرب من تحت وفوق الحزام، في حق مهرجانات مغربية أصيلة، أذكر هنا مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط بتطوان، الذي حاربه السيد الراحل بكل الوسائل، وأطلق كلابه للنبح في وجهه، ومحاولة الحد من اشعاعه بأشكال جد مختلفة متخلفة. 
ثالثا- لن ننسى تذكير صديقنا "كويتب" المقال، أنه اقترف "فيلما" وثائقيا دعائيا كارثيا، سعى من خلاله تزوير تاريخ مهرجان خريبكة، وتقزيم الأشخاص الذين ساهموا في خلقه، وجعل فرد واحد خالق لكل الأشياء، وصانع للحظات المبهجة فيه، قافزا على التاريخ والمنطق والواقع. لحد أن عرض هذا الشيء السمعي البصري قوبل من رواد الأندية السينمائية الحاضرين خلال دورة من دورات مهرجان خريبكة، بكثير من ردود الأفعال، والصفير والاستهجان، والمداخلات النارية التي أبكته، وابكت فريقه المساهم معه في محاولة خنق الحقيقة، وتركته غارقا في لجة أوهامه التوثيقية الخاسرة.  
رابعا - يشير صاحب المقال على أن الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، المؤسسة الفعلية للمهرجان، غير ممثلة بتاتا في المؤسسة، متسائلا عن ذلك، لكنه لم تكن له الشجاعة لطرح السؤال الأكثر أهمية: من كان سببا في اقصاء هذا الإطار العتيد، واخراجه من الشأن التنظيمي للمهرجان، وجعله يقف على هامش الهامش خلال فعالياته، لا يحضر بعض رواده ومسيريه إلا كضيوف يؤثثون المهرجان، ويمنحونه بعضا من المصداقية.
الكل يعلم أن السيد الرئيس الراحل، أخرج الجامعة من عالم المهرجان، كما أخرجها من قبل، بشكل غير مفهوم، من اللجنة التنظيمية لمهرجان الفيلم الوطني، كما طردها بكثير من التنكر لتاريخها من المقر الذي كانت تتوفر عليه داخل المركز السينمائي المغربي (مقر كان قد منحه لها المدير الأسبق السيد سهيل بنبركة)، بل حرمها من الدعم المالي التي كانت تحصل عليه، ليتركها تختنق في مشاكل مادية مختلفة تقاوم من خلال عطاءات أبنائها. 
خامسا- طرح صاحبنا النحرير سؤالا هاما، عن عدم خروج أي بلاغ أو اخبار من مؤسسة المهرجان تخبر فيه، وتوضح سبب اختيار السيد المالكي رئيسا جديدا لها. تساؤل جد مشروع، كان سيأخذ قوته لو صدر عن فرد كانت له من قبل الجرأة والشجاعة لطرح مثل هذا السؤال والمؤسسة تحت إدارة الرئيس الراحل. 
لن أذكر صاحبنا أن الرئيس السابق كان هو المؤسسة، أي الكل في الكل، يأخذ القرارات، ويعين من يريد أن يعين، ويطرد من يريد طرده وقت ما يشاء، بل لائحة حضور المهرجان، وليس الضيوف فقط، كان يقرر فيها. لحد أن بعض السينمائيين وعشاق السينما، كانوا يقررون حضور فعالياته والاشتراك في أنشطته، على نفقتهم الخاصة، تمت معاكستهم وطردهم من خلال أساليب لئيمة في التحرش والمضايقات. ويأتي كاتبنا الرابض عند المنحدر، ليحدثنا عن الديموقراطية والشفافية.
 لقد ترك السيد المدير الراحل تقاليد مهزوزة، وجيش من الذباب الذي يحاول حجب سماء الحقيقة، ذباب يجب طرده ووضع حد لأزيزه وطنينه المزعج...  
سادسا-  البكاء بين الأطلال لن ينفع في جبر قلب الأحبة ومناصري الخواء، لأن المطالبة بضرورة أن يكون الرئيس صاحب وزن ثقافي وله امتدادات بالقارة الافريقية. حق يراد به باطل، وسوء فهم خلقته المهمات التي كان الرئيس السابق يستحوذ عليها دون وجه حق، لقد كان، رحمه الله، الرئيس والمدير الفني والمقرر المالي وهلم جرا، أما الأشخاص الذين كانوا معينين في هذه المهمات داخل المؤسسة إلى جانبه، لم يكن لهم منها غير الاسم والتوقيع في بعض الأحيان. 
صحيح أن الرئيس يجب أن تكون له امتدادات وعلاقات متشعبة قادرة على خدمة المهرجان وتوسيع حدود اشعاعه. وعن قناعة وفهم لخلفيات التعيين، لا أعتقد أن أحدا، وسط هذه الزمرة المتصارعة على الرئاسة، يمتلك من الكاريزمية والعلاقات الإنسانية التي يمتلكها السيد الحبيب المالكي، بحكم مكانته السياسية، ووزنه المعرفي، وعلاقاته المتعددة داخل القارة الإفريقية وخارجها. صحيح أنه لا يملك معرفة تعادل معرفة الرئيس الراحل سينمائيا، وليست له دراية بفضاءات المهرجانات القارية والعالمية، إلا أن هذا لا يضير في شيء، ما دام، وكما يعلم الجميع، أن المدير الفني هو من يجب أن يكون فعلا رجل للمعرفة والاطلاع على التجارب والرموز السينمائية العالمية والافريقية، وأعتقد ان تعيين المخرج حكيم بلعباس نائبا للرئيس، والفاعل السينمائي عبد اللطيف الركاني، الى جانبه المخرج داود أولاد السيد، في الإدارة الفنية، من الأمور الحسنة القادرة على اسناد وقفة المهرجان وانطلاقته انطلاقة سليمة .
في نفس السياق، ومن خلال المقال المكتوب بعينين مصابتين بداء الرمد، لم يرى صاحبه إلا النصف الممتلئة من الكأس، غاضا البصر عن النصف الفارغة، المتمثلة أساسا: في المديونية التي أثقلت كاهل المهرجان، لحد أن المؤسسة لم تعد قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه جهات عديدة، خاصة وأن الرئيس الراحل كان متفننا في مراكمة عداوات مجانية، مع فعاليات سياسية وجمعوية داخل خريبكة وخارجها، عداوات أثرت بشكل واضح على نهج المهرجان في حل مشاكله، مع تراجع واضح من حيث تأثيره في محيطه، ولن يستطيع راب الصدع ورد الثقة إلا رجل يحظى باحترام الجميع كالحبيب المالكي.
سابعا- الشمس الصيفية الحارقة وضرباتها على الرؤوس، تجعل بعض أصناف البشر يسقطون في مهاوي الخبط والخلط، خبط وخلط بين الشخصيات والمهمات والمسؤوليات. فصديقنا المنافح عن العصر الفائت البائد، يعتبر أن رجل السياسة عليه أن يظل وفيا للسياسة فقط، لأنه لن يعرف كيف يسير قطاعا أو يتحمل مسؤولية في مجال ربما غريب عنه، خاصة منها المجال الثقافي السينمائي. الشيء الذي يجعلنا نسأله ونتساءل معه: لماذا لم نسمعه يوما يرفع عقيرته بالصراخ في وجه مهرجانات يرأس مؤسساتها رجال سياسة؟. أذكر هنا الوزير السيد بنعبد الله الذي ترأس لسنوات مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض السينمائي أو السيد عبد الحق المنطرش مدير المهرجان الدولي لسينما المؤلف بالرباط؟.
ثامنا- وأخيرا، إن مطلب إعداد شخص يحل محل المالكي في المستقبل القريب، وهو مطلب معقول، كان أولى بصاحبنا صاحب الضمير الأنصع، أن يطلبه منذ زمان، أي زمن الإدارة السابقة للمهرجان، لو كان فعل ذلك، واستجاب له السيد الرئيس الراحل، لما عشنا لسنوات عمليات كسر الضلوع المستوية، وافراغ الساحة الخريبكية من طاقاتها بشكل ممنهج، ولما وجدناه اليوم يبكي أو يتباكى على مهرجان أراد اختيار طريق آخر لا يمر من الحقل، الذي كان غاصا بالأحباب والأصدقاء، ورافعي شعار: "عاش من يطعمنا بشكل أحسن". لهذا أقول له، ومن خلاله لكل صائدي النعام: "اطمئن فالمهرجان سيكون بخير مع ادارته الجديدة، أو على الأقل سيكون في وضع أحسن مما كان"، والسلام.
 
عبد الإله الجوهري، ناقد ومخرج سينمائي