Monday 21 July 2025
مجتمع

الحسن زهور: انحدار القيم المغربية من قبلة مكناس إلى "بخاري" تارودانت إلى سحل الأستاذ

الحسن زهور: انحدار القيم المغربية من قبلة مكناس إلى "بخاري" تارودانت إلى سحل الأستاذ

عندما سألت "أنفاس بريس" الحسن زهور، القاص والباحث والكاتب المعروف بالأمازيغية، عن رأيه في تعنيف وسحل أستاذ ورزازات بشكل مهين، استدرك قائلا، بان السحل الحقيقي هو ما تتعرض له القيم المغربية ككل، والتي تشهد انحدارا لافتا ومقلقا، وما حالة الأستاذ إلا واحدة من الحالات التي "توثق" بالصوت والصورة لهذا الانحدار، وشرح ذلك في الورقة التالية:

"لعل القارئ سيتساءل عن العلاقة التي تجمع بين هذه العناصر الثلاثة الممتدة من مكناس، مرورا بتارودانت وليس انتهاء بورزازات، والتي يجمعها الانتماء إلى هذا الوطن مكانيا، لكن البعيدة عنه ثقافيا والتي كرسها البعض بتفريغه هذا الوطن من ثقافته ليصبح مكانا بوارا ونسخة باهتة لأوطان أخرى ينعق فيها التطرف والدمار.

هل يجب علينا التذكير دوما بقيمنا وبثقافتنا المغربية التي يجب أن تكون حصننا أو "الجدار الأخير" لوجودنا كمغاربة؟ فما جدوى وجودنا إن لم نكن هذا الـ "نحن" الذي ميزنا كمغاربة، والتي لم تستطع أعتى الامبراطوريات سابقا، وهي الإمبراطورية العثمانية التي هيمنت على أغلب العالم الإسلامي الدخول إليه رغم فوتها وجبروتها، ووقفت عاجزة أمام احتلاله؟

كانت لقبلة تلميذة مكناس أن تمر عادية مثلها مثل غيرها من القبل الباردة أو الحارة، التي تدرج حسب المقولة الثقافية المغربية في "ئورارن ن تازانين" أي "لعب الدراري"، التي يتم التنبيه له تربويا ويتم المرور عليه باعتباره ظرفيا، لكن البعض أراد لهذه القبلة أن تكون وسيلة لتصفية الحسابات مع ثقافتنا المغربية تحت راية الوهابية، بدعوى النقاء الأخلاقي الذي أظهر زيفه على شاطئ المحمدية بين أبرز رموزه متلبسين في لقائهما الجنسي خارج الحياة الزوجية، فكان أن تم طرد التلميذة من دراستها من أجل قبلة أظهرتنا أمام العالم وكأننا شعب داعشي تزلزل كيانه قبلة مراهقة .

في تارودانت، يواجه التطرف الوهابي المنتشر في بلدنا بدون استحياء (وكأنه ابن البلد) كل فكر مغربي متنور لسحقه بكل الوسائل ابتداء من التشهير والاتهام والتحريض.. في تارودانت العالمة طلع علينا عمل فكري ونقدي للباحث رشيد أيلال ممثلا في كتابه "صحيح البخاري، نهاية اسطورة"، بلبل دعاة التطرف وأدعياء الدين والتدين والمتاجرين به سياسيا وفكريا، فلم يجدوا ما يردون به على الباحث إلا السب والتشهير والتحريض، بدعوى قراءته النقدية لكتاب جعلوه من أقدس المقدسات الدينية بعد كتاب الله، فبدلا من مقارعة الحجة بالحجة ونقد الفكر بالفكر ومناقشة أفكار ودراسة الباحث، الذي كان سابقا منتميا إلى تيار سياسي إسلامي (العدل والإحسان)، أغلق عليه ممثلو الوهابية والتطرف في المغرب كل المنافذ بالقوة، وكأننا في بلد يريدون تحويله من بلد معروف باعتداله وتحرره العقلاني إلى بلد تمرح فيه رايات داعش السوداء سواد فكرهم الانغلاقي.

قي ورزازات مثال أخر لما ينتشر في بعض مؤسساتنا التعليمية على امتداد هذا الوطن من اعتداءات (لكن هذه المرة تم توثيقه)، ومثال لامتداد هذا الفكر إلى منظومتنا التعليمية. فبعد البرامج الشرقية والغربية التي تستورد كغيرها من المواد المستورة يأتي الدور على رجال التربية، فبعد أن كانت التربية مثلثا ثلاثي الزوايا والأبعاد يتكون من البيت والشارع والمدرسة مسخ الآن شكله ليقع على زاوية المدرسة بأطرها التربوية كشكل هلامي مفلطح الزاوية، فبدلا من حماية الإطار التربوي بالقوانين كما حمته ثقافتنا المغربية قديما بأعرافها وبمنظومتها الأخلاقية والقيمية، أصبحت المنظومة التربوية الحالية تتعامل مع الأستاذ أثناء تأدية واجبه كفرد عادي، فتتركه وحيدا يواجه مصيره فلا المؤسسة تحميه ولا القانون يحميه كإطار من أطر الدولة أسوة بباقي أطر الدولة.. فمثلا إذا اعتدى تلميذ على الأستاذ تنصح المؤسسة الأستاذ باللجوء إلى القضاء كشخص وتنسل من مسؤوليتها في الدفاع عنه، وكأن الأستاذ اعتدي عليه في الشارع و ليس في المؤسسة.

أليس كل هذا مدعاة لتكتل وطني فكري وثقافي وهوياتي للرجوع إلى قيمنا وثقافتنا المغربية؟".