الأربعاء 27 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

نورة المومني: الفساد السياسي وتأثيره على جودة تدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية

نورة المومني: الفساد السياسي وتأثيره على جودة تدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية

انتقل الإصلاح الإداري بالمغرب من الاهتمام بالجانب القانوني، الذي من عيوبه عدم مسايرة التطور المجتمعي واقتصاره فقط على دراسة الطريقة التي تنفذ بها القاعدة القانونية، إلى محاولة تطبيق نظريات علم الإدارة وإعطاء الأولوية للعنصر البشري، باعتباره المحور الأساسي في مسلسل الإصلاح والتحديث الإداريين، غير أن هذه النظريات لم تُفعّل بالشكل الحقيقي، ولم يتم تطبيقها على أرض الواقع بالكيفية الصحيحة.

وفضلا عن ذلك، وجبت الإشارة إلى أن الإشكالية الحقيقية التي تعاني منها الإدارة المغربية، لا تعود إلى غياب الكفاءات، وإنما إلى البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية السائدة التي تغيب عنها القيم الأخلاقية وقيم المواطنة، ويُهيمن عليها الفساد بمظاهره المختلفة.

ويُعتبر الفساد السياسي من بين المظاهر الأكثر تأثيراً على إصلاح وتحديث الجهاز الإداري، إذ أنه لا يمكن الحديث عن تحديث الأداء الإداري وإصلاح منظومة تدبير الموارد البشرية بدون فهم المحيط السياسي بالمغرب، نظراً لتداخل وارتباط كل من العمل السياسي بالعمل الإداري، وسياسيا كما عبر عن ذلك الدكتور عبد الحق عقلة "تعتبر الإدارة مجموعة من الوسائل المادية والبشرية تسعى إلى تحقيق مخطط ومجموعة من الأهداف، أي تحقيق اختيار سياسي معين".

فالجهاز التنفيذي بالمغرب، كما في مجموعة من الدول، ينتج عن تعاقد المواطنين مع ممثلي الأمّة، غير أن تفشي مظاهر الفساد السياسي، سواء في فترة الانتخابات أو بعدها، ينتج عنه جهاز تنفيذي معتل وغير مستقر بسبب التغيرات التي تطرأ على الخريطة الحزبية، فإذا كانت الانتخابات آلية ديمقراطية لتدبير الشأن العام في الدول المتقدمة من خلال المفاضلة بين البرامج التي تقترحها الأحزاب السياسية المتنافسة، فإن الوضع يبدو أكثر تعقيدا في الحالة المغربية، بسبب كثرة الأحزاب المتبارية التي لا يمكن معها الحصول على أغلبية مريحة للحزب المتصدر للانتخابات، ويتم عندها تشكيل الحكومة من خلال الائتلاف الحزبي، فتثار مسألة المحاصصة السياسية التي عرّفها الدكتور سالم سليمان بأنها عبارة: "عن اقتسام المناصب السياسية قسمة الغرماء، وكل تكون حصته موازية لنسبته البرلمانية".

وبالتالي يستغل الوزراء والمسؤولون السياسيون فرصة وجودهم على رأس الجهاز التنفيذي، ويستخدمون السلطة كأداة لتحقيق مصالحهم الفردية والحزبية على حساب الدور الأساسي للجهاز التنفيذي، وينتج عن ذلك انتشار مجموعة من الظواهر، كشيوع الغنى الفاحش والرشوة والمحسوبية والولاء في شغل الوظائف وصياغة تشريعات قانونية لصالح الفئة التي تتحكم في الجهاز التنفيذي والتشريعي.

والجدير بالذكر، أن جل الخطابات السامية الأخيرة لجلالة الملك تصف الوضع السياسي الراهن في المغرب بدقة، حيث ركزت انتقادها على النخبة السياسية ودعتها للانشغال والانكباب على القضايا الحقيقية للمواطنين، والدفع بعمل المرافق الإدارية وتحسين خدماتها، وبيّن الملك أن التطور السياسي والتنموي الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب على عقليات وممارسات الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، وبالتالي الاستجابة الكافية للتطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة- كما أضاف من جهة أخرى، أنه: "عندما يقوم مسؤول بتوقيف أو تعطيل مشروع تنموي أو اجتماعي، لحسابات سياسية أو شخصية فهذا ليس إخلال بالواجب، وإنما خيانة، لأنه يضر بمصالح المواطنين ويحرمهم من حقوقهم المشروعة...".

ويساهم هذا الوضع في التأثير المباشر على نفسية الموظف، فإذا كان هذا الأخير يسعى لإبداء أفضل ما عنده والارتقاء بنفسه، فإنه بالرغم من هذا العناء يجد نفسه في جو يسوده التمييز غير الموضوعي داخل نفس البنية الإدارية، ذلك أنه مهما بدل من جهد لتطوير كفاءته فلن يصل إلى ما يطمح إليه إذا كانت لا تربطه صلة بالمسؤول أو أن يكون من حزبه، وهذا ما يشعره بالإحباط الوظيفي وتولد لديه الشعور، بل عدم الاكتراث والتهاون الوظيفي، وينعكس هذا سلبا على أدائه الإداري وعلى مردودية المرفق العمومي.

ومن نافلة القول، فإن البحث في أسباب فشل سياسات تدبير الموارد البشرية وتحسين الأداء الإداري لا يتأتّى إلا من خلال معرفة كيفية التعاطي مع الفساد السياسي ومجهودات تخليق الإدارة، ذلك أن تراجع الأخلاقيات المهنية وغياب روح المواطنة هو السبب الأساسي في كل فشل تعرفه الأجهزة سواء على المستوى السياسي أو الإداري، فلا يكفي إصدار مدونات أخلاقيات للتغلب على الفساد الإداري، إنما لابد من سياسة تدبيرية تنطلق من التربية الأخلاقية وترتبط أساسا بمستوى التعليم والإعلام بصفتهم من المصادر الأساسية للتوعية والتثقيف.