في أطروحته المعنونة "Les changements d’une organisation" لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية تناول
THIERRY BARBONI إشكالية التحول الذي عرفه الحزب الاشتراكي الفرنسي ما بين 1971 و2007 وهي دراسة قيمة تحتاج فعلا ان تكون مرجعا لدراسة التجارب المشابهة.
السؤال الذي أود البحث له عن إجابة هو: هل يستوعب الاشتراكي الموحد الحزب المغربي الذي تعلق عليه فئات مهمة من الشعب المغربي، أمالا كبرى، قلت هل يستوعب هذا الحزب أفرادا ومؤسسات قواعد وقيادات مناضلين وهياكل التحول الذي يعرفه هذا التنظيم الحزبي الواعد ,والمتمثل في الانتقال من حزب قلة ونخبة فكرة الى حزب جماهير؟ مع ما يستتبع هذا الانتقال من مسؤوليات تنظيمية وتأطيرية ومن التزامات مع الجماهير الشعبية، باختلاف توجهاتها وانتظاراتها... السؤال كبير بحجم خريطة الوطن؟ وبحجم الالتفاف الشعبي منقطع النظير الذي عرفه ويعرفه هذا الحزب، والذي لازال يوصف من قبل كثيرين بحزب النخب ويراهن عليه آخرون ليشكل مع حليفيه في فدرالية اليسار إذا ما اكتملت التجربة ليشكلوا معا نواة للحزب الكبير.. مند منذ الخروج الإعلامي الأبرز لأمينته العامة الأستاذة نبيلة منيب، وتأكد مع التميز الذي شكله في انتخابات 2016 إلى اليوم.
مناسبة السؤال ليس الاستعدادات الجارية لتنظيم المؤتمر الوطني الرابع للحزب كما قد يتبادر للبعض، ولكن السبب الحقيقي هو حضوري منذ مدة لنشاط للجنة الثقافة والإبداع بفرع تطوان وكم هالني حجم الحضور وتنوعه وتباين أجياله. لجنة الثقافة والإبداع والتي هي بالمناسبة واحدة من تسع لجان متفرعة عن المخطط الاستراتيجي الذي اشتغل عليه فرع تطوان وعيا منه بضرورة العمل الممنهج والاستراتيجي ,والقطع مع الأساليب التقليدية المتوارثة عن المرحلة السابقة التي عاشتها كل التنظيمات. استضافت اللجنة شعراء وشاعرات وعازف عود في نشاط عرف حضورا كبيرا... أجيال مرت من ذات المقر المتواجد بشارع يوسف بن تاشفين الذي يعرف تفاصيله العديد من اليساريين واليساريات يعرفون تفاصيله حق المعرفة. فمن ذات المقر دبت روح "الأنوار"، الجريدة التي شعت فكرة خلقها من أطر فاعلة على خط التماس ما بين الثقافي اليساري والحزبي، بحيث أخذت اسمها وروحها من الفعل الفلسفي والأدبي المستقل بوثوق واحترام متبادل مع الحركية الحزبية، ولما دقت ساعة الحزم لم تتردد الأنوار في التبرع بلسانها لفائدة أنوال الجريحة بعد جريمة البتر التي مارسها دكتاتور "أم الوزارات" للسان منظمة العمل، فانتقلت من تطوان إلى العاصمة العمالية "مثل الفَراش الذي يسعى إلى النور وفيه الفَناء".
حضر شباب وشابات متعاطفون ومتعاطفات ومواطنون ومواطنات.. الأمر فعلا يحتاج لوقفة... إلى وقت قريب كنا لعقد اجتماع. اجتماع فقط نحتاج للاتصال مرات ومرات لتحضر نفس الوجوه المعدودة على رؤوس الأصابع.أما اليوم فاجتماع لجنة أو لقاء فريق عمل يحول المقر إلى خلية نحل. وتتقاطع وجوه تلتقي لأول مرة... السؤال هل يستوعب الرفاق والرفيقات هذا التحول؟ هل يستوعبون حجم وطبيعة المهام التي هي الآن ملقاة على عاتقهم بقوة الواقع؟
هل تنتقل المبادرة من المركز إلى الفروع فعلا وليس قولا؟ بصيغة أدق هل يتحول صانع القرار الحزبي حقيقة من محور الرباط البيضاء وما جاورهما (وهذا واقع كل تنظيماتنا بكل اختلافاتها) إلى الفروع وباقي الجهات. هل ستلتحق عجلة التنظيم الحزبي بمفهوم الجهوية فعلا؟
من المفروض والطبيعي أن تتحول فروع هذا الحزب، إذا رغب فعلا في لعب أدواره إلى مشاتل لطرح المبادرات والأفكار والتأثير في مجريات الأحداث وصناعة القادة الميدانيين المبادرين طبعا والمستوعبين لأدوارهم في التواصل مع المواطنات و المواطنين بنفس سياسي يساري، منفتح ومستحضر لطبيعة التحول الذي يعرفه المجتمع. والاكراهات التي يعانيها المواطنون أفرادا وجماعات. لا يجب انتظار المبادرات من المركز مهما تكن قدرة هذا المركز على التوجيه وصناعة الأحداث..
للوصول إلى هذه الوضعية لابد من النضال الثلاثي الأبعاد أو كما يقول أهل التكنولوجيات الحديثة العمل بتقنية D3.
أولا: الاشتغال على الذات من خلال تأهيل العنصر البشري ليستوعب حجم وطبيعة التحول؛ المفروض بقوة الواقع؛ وليستوعب كذلك طبيعة المهام المنتظرة. الآني منها والمستعجل والاستراتيجي على المديين المتوسط والبعيد. من خلال التكوين النظري من أجل التملك الحقيقي للأفكار والقيم والمبادئ التي يتبناها والتحولات الفكرية والنظرية التي عرفها ويعرفها الفكر الاشتراكي والإنساني عموما حتى يكون مناضل ومناضلة مستند على أساس نظري منسجم يؤطر كل حركاته وسكناته ومبادراته الفردية آو الجماعية. كذلك من خلال التكوين الميداني لتأهيل العنصر البشري لتحمل المسؤوليات. طبعا كل ذلك باستحضار كل المتغيرات التي تحصل على كل المستويات المحلي الجهوي الوطني الإقليمي والدولي..
ثانيا: تأهيل بنيات الاستقبال من خلال تجهيز المقرات تجهيزا يسمح فعلا باستقبال المناضل والمناضلة والمتعاطف والمتعاطفة والأهم هو استقبال المواطنة والمواطن... وليس المقر وحده هو ما يجب أن يؤهل وإنما البنيات الذهنية المسْتقبِلة بنبذ الشللية ومنطق الحلقية والعشيرة والقبيلة وفتح الأذرع لاستقبال الكل. طبعا مع التحري والحفاظ على الحد الأدنى اللازم والضروري لتفادي أخطاء الأبواب المشرعة وليست المفتوحة. لا يمكن لتنظيم حزبي يطمح ليصبح حزب جماهير ألا تجهز مقراته بأحدث التقنيات... أن تظل مقراته مغلقة طوال الأسبوع ولا تفتح إلا للاجتماعات؟ يجب أن تصبح المقرات مكتبات مفتوحة في وجه الجميع.. ومقرا لاستقبال شكايات المواطنات والمواطنين.
ثالثا: لا بد من تحيين الخطاب.لا يمكن استعمال نفس لغة الستينات السبعينات من القرن الماضي مع شباب الألفية الثالثة...يجب البحث والتنقيب في الفكر والثقافة وتقنيات التواصل لتفادي السقوط فيما يمكن تسميته بالسلفية اليسارية. ما الفرق بين من يعود لابن تيمية دون تمحيص ومن يعود لماركس ولينين وتروتسكي دون تحيين كذلك؟
الأبعاد الثلاثة كما أسلفت. الاشتغال على الذات وتأهيل بنيات الاستقبال بتجهيز المقرات وتغيير الذهنيات وكذلك تحيين الخطاب. وكما أشار محمد الهراس في مقاله المعنون بحزب منيب من الحلقية إلى Porte à porte فعلا يجب الانتقال من التقليد إلى التحديث فعلا وقولا. وموضوع الانتقال هذا من حزب القلة والنخبة إلى حزب الميدان والجماهير يحتاج لدراسات علمية أكثر، وليس فقط لمقالات أو تقارير صحفية. فالانتقال أمر واقع، لكن الوعي به لازال قيد التشكل.