Wednesday 21 May 2025
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: الكذب الموثَّق عندما يُصبح كذباً موثوقا به

أحمد الحطاب: الكذب الموثَّق عندما يُصبح كذباً موثوقا به أحمد الحطاب
ما أقصِده من عنوان هذه المقالة، هو أن الكذبَ، عندما يُوثَّق أسود على أبيض، أي عندما يُكتب على الورق أو عندما تتداوله وسائل الإعلام، وبالأخص، شبكاتُ التواصل الاجتماعي، قد يصبح حقيقةً، موثوقٌا بها، تؤثِّر في مجرى الحياة اليومية للناس.

والكذب نوعان، أي هناك الكذب المتعمَّد كما يوجد، كذلك، الكذب غير المتعمَّد. والكذب غير المتعمَّد مرضٌ من الأمراض النفسية. وهذا النوع من الكذب يُفرَض على المرضى النفسانيين بحيث يصبح الكذبُ جزأً من شخصِياتِهم.

أما الكذب المتعمَّد، فوراءه مآرب (جمعُ مأربٍ وهو الغرض المُلحُّ أو الحاجة المُلحَّة) كثيرة. قد تكون هذه المآربُ سياسيةً، اجتماعية، اقتصادية أو ثقافية أو مجرَّد السيطرة على الآخر لمنعِه من نيل حقوقِه أو لمنعِه من تشغيل عقلِه، أي لمنعه من التفكير أو لمنعه من قول الحق أو لتُفرَضَ عليه آراءٌ مختلفة…

وأمهر الكذَّابين هم السياسيون الانتهازيون وبعض علماء وفقهاء الدين، وخصوصا منهم، المتطرِّفون الذين أبدعوا ديناً موازياً ومخالِفا لذلك الذي جاء به القرآن الكريم وأُنْزِلَ، من أجل نشرِه.، القرآن الكريم على آخِر الرسل والأنبياء، محمد (ص).

والسياسيون الانتهازيون، وما أكثرَهم، هم مجموعة من الناس الذين لا يرون في السياسة إلا مجموعة من الفرص التي يجب أن تُنتهزَ وأن تُستغَلَُّّ لخدمة أمورٍ شخصية وليس لخدمة الصالح العام. وأكاد أجزم، إلا مَن رحم ربي، أن أحزابَنا السياسية مليئةٌ بالسياسيين الانتهازيين، وعلى رأسِهم مَن يطلقُ عليهم اسم "مَّالينْ شْكارَة". فهل "مُولْ شْكَارَة" سينخرط في حزبٍ سياسي لسواد أعيُن المواطنين؟ ولماذا كثيرٌ من الأحزاب السياسية أصبحت، في يومنا هذا، تُفضِّل أن ينخرطَ بها "مالين شكارة" عوضَ الناس أو الشباب المُثقَّفين؟

"مول شكارة"، إذا قرَّرَ أن ينخرطَ في حزب سياسي أو إذا طلب منه هذا الحزب الانخراطَ فيه، فإن هاجسُه الأول والأخير، هو أن تنتفخَ "شكارتُه" بمال الفساد. لماذا؟ لأنه يعرف، مسبقا، أن المشهدَ السياسي فاسدٌ حتى النُّخاع. بمعنى أنه يعرف، مسبقا، أن الفسادَ منتشرٌ في أحشاء المجتمع وفي دواليب الدولة. بل يعرف، مسبقا، أن العجلةَ الاقتصادية، إن لم يُحرِّكها الفسادُ، قد يتباطأ إنتاجُها، إن لم يتوقف. 

أما مُيول الأحزاب السياسية إلى استقطاب "مالين شكارة" للانخراط بها ليس ساذجا. الأحزاب السياسية تعرف، عن قصدٍ، أن "مالين شكارة" لهم نفوذٌ داخلَ المجتمع، إضافةً إلى توفُّرِهم على الأموال الطَّائلة الفاسِدة. ونفوذُهم داخل المجتمع، من شأنه أن يضمنَ للأحزاب السياسية كثيرا من الأصوات أثناءَ الانتخابات. أما الأموال الطائلة الفاسدة فيمكن استغلالُها لتمويل الحملات الانتخابية، علما أن "مول شكارة" يعرف أنه، بإمكانه استردادُ ما خسره من أموال، عن طريق الفساد، وتحت تغطيةٍ سياسيةٍ. إذن، "مول شكارة" والحزب الذي استقطبه، هما من أكبر عوامل انتشار الفساد.

أما المُتطرِّفون الدينيون، فهاجسُهم الأول والأخير، هو استغلال الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة، وبعد هذا الوصول، فرضُ رؤيتِهم المتطرِّفة للدين على المجتمع برمَّته. بمعنى أنهم يريدون العودةَ إلى الخلافة، أي إلى نظام حكمٍ تكون فيه الدولةُ دولةً دينيةً تستمدُّ قوانينَها من الشريعة وليس من القوانين الوضعِية. وهذه العودة، في عصرِنا هذا، مستحيلة لأن العالمَ لا يمكن، على الإطلاق، أن يعودَ إلى الوراء. لماذا؟

لأن العصرَ الحاضرَ يتميَّز عن عصور الخلافة بما أنجزه العقل البشري من تقدُّمٍ وازدهارٍ في مختلف مجالات العلم و وليدتُه التكنولوجيا. فضلا عن التُّفتُّح الفكري والتحرُّر الاجتماعي اللذين عرفتهما البشرية انطلاقاً من القرن الثامن عشر. وفضلا، كذلك، عن التّطوُّر الذي عرفه وسيعرفُه الذكاء الاصطناعي الذي سيقلب، رأساُ على عقب، الحياةَ بمعناها الواسع، اجتماعيا، اقتصاديا، ثقافيا، صناعيا، تكنولوجياً، قانونياً…

وحتى البلدان الإسلامية لن تستطيعَ الرجوعَ إلى الخلافة لأنها انخرطت في الحداثة وقوانينُها كلها وضعية إلا النزر القليل جدا الذي لا يزال مستمدّاً من الشريعة. إضافةً إلى أن مواطني هذه البلدان لن يقبلوا، بعد تفتُّحِهم الفكري وتحرُّرِهم الاجتماعي، أن يخضعوا لسلطة مستبدَّة تحرمهم من أبسط الحقوق. 

فكيف يتصرَّف وسيتصرَّف السياسيون الانتهازيون وعلماء وفقهاء الدين المُتشبِّثون بعودة الخلافة؟
أولا وقبل كلِّ شيء، السياسيون الانتهازيون وعلماء وفقهاء الدين المُتسبِّثون بعودة الخلافة، موجودون وسيبقون موجودين إلى أن يرثَ الهُ، سبحانه وتعالى، الأرضَ ومَن عليها. كما سيستمرُّون في حركتهم وفي عملِهم، رغم رفضِ المجتمع لتصرُّفاتهم. لكن سلاحَهم الوحيد لضمان بفائهم، هو الكذب والبهتان والنفاق وخلقُ الأوهام… لكن كذبَهم قد يؤمن به بعض الناس السُّذج. لماذا؟
لأنه كذبٌ موثَّقٌ، أي تتناقله، كتابةً وصورةً وصوتا، وسائل الإعلام، وبالأخص، شبكات التواصل الاجتماعي من فيسبوك وإنستاكرام وتيك توك و X… والخطر كل الخطر، هو أن يُصبحَ الكذبُ حقيقةً موثوقا بها!