الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أحمد بومعيز: المغرب ..الأزمة السياسية ومدخل التوافق

أحمد بومعيز: المغرب ..الأزمة السياسية ومدخل التوافق

بعد خطابات ملك المغرب الأخيرة ، ومنها خطاب افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية العاشرة للبرلمان المغربي ، والذي تحدث فيه الملك عن إمكانية الزلزال السياسي بالمغرب ، يبدو أن الوضع السياسي وتدبير الشأن العام ،والشأن الحزبي ، والمؤسساتي في المغرب بلغ مستوى متقدما من الأزمة . انسجاما مع تقارير المؤسسات الدولية ، و تقارير المجالس الدستورية الاستشارية ، وحراك الشارع بالريف ، والعديد من التشخيصات ، التي تشير كلها إلى دروة الأزمة المركبة التي صارت عنوانا للمرحلة ،وحتى لخطابات الملك باعتباره أعلى سلطة بالبلاد .
فإذا افترضنا جدلا مصداقية التشخيصات المرتبطة والمعبرة على الأزمة المستعرضة أو العرضانية بالنسبة للقطاعات والبنيات والمؤسسات والأحزاب والنقابات والنخب ، فالوضع صار يطرح تحديا وملحاحية قصوى في المطلب ، أي إيجاد المداخل الكفيلة بتجاوز الأزمة ، أو المشروع السياسي والتنموي والمجتمعي الجديد والاستعجالي . ومنهجيا ،لا بد لكل مشروع من أرضية ، والأرضية هنا تفترض الإجماع أو التوافق من أجل التبني والمشروعية . أو حتى يمكن أن تفرض حسب موازين قوى ما . والحال في المغرب أن لا محيد عن التوافق تجاوزا لكل مغامرة . لكن التوافق كمبدأ ومنهجية ، أيضا قد يطرح إشكالية المكونات ومدى إمكانية توافقاتها الداخلية ، كالأحزاب والنقابات والنخب، بحكم أهميتها وتأثيرها ودورها في المشهد والمسار السياسي ككل . ليطرح المشكل المنهجي : من أين نبدأ التوافق ومن أين نوفر زمنا مستقطعا لذلك ؟ وهذا ما يمكن أن نعتبره مدخلا لهندسة زلزال سياسي سلس ، يمكن من إحداث النقلة والمحافظة على المكتسبات وأهمها الاستقرار .
- التوافق داخل الأحزاب كمدخل لحسم المشروع والهيكلة والمنهجية :
وهنا لا بد من التأكيد وبالجرأة اللازمة أن محطات المؤتمرات التي عرفتها جل الأحزاب لم تسمح بالتوافق بين مكوناتها الداخلية ونخبها ، وكان منهج الإقصاء ومحاولة الوصول إلى الزعامة هو أساس المؤتمرات ، وهنا نسوق مثال حزبي الاتحاد الاشتراكي كمكون أساس في اليسار المغربي ، وحزب الاستقلال باعتباره من أكبر وأعرق الأحزاب بالمغرب .. فالملاحظة أن الحزبين لم يتوفقا منذ أكثر عقيدين على الأقل من إحداث التوافق اللازم والموضوعي سواء بين الأطر أو بين المنخرطين أو بين المجتمع والمواطنين ، مع العلم أن من مهام وأهداف الحزب التأطير الداخلى للأعضاء أو لباقي مكونات المجتمع بغض النظر عن الانتماء . وهنا نستشهد بعدم قدرة الأحزاب كلها على تأطير أحداث الريف ،وأجرأة الوساطة اللازمة ، وهذا يعني فعليا غياب الأحزاب عن تدبير المطالب وغياب مشروعها المجتمعي . مع انتظار مؤتمر حزب العدالة والتنمية – الذي قاد حكومة ما بعد دستور 2011 ، ويقود الحكومة الحالية بضعف - في نهاية السنة الجارية، والذي سيكون محطة فاصلة في تاريخ وتوجهات الحزب بسبب الرجة التي يعرفها بعد إزاحة قائده بنكيران من رئاسة الحكومة الحالية .
- التوافق بين الفرقاء والشغيلة والقوة العاملة داخل النقابات ، وتحييدها حزبيا لا سياسيا :
وهذا المطلب أو المدخل صارا ملحا ، وفي غيابه قد يتم تجاوز النقابات نهائيا ، إن لم يكن قد حدث التجاوز فعليا ، وما بروز مجموعة من التنسقيات القطاعية والمطلبية مؤخرا إلا دليل ذلك . كما أن ارتباط النقابات بالملف الاجتماعي يمكنها نظريا من لعب دور أساس في اللعبة وحتى في أي زلزال محتمل .
- التوافق بين مؤسسات الإنتاج والخدمات و "الباترونا " :
وهو أمر يبدو ممكنا نظريا ، نظرا لتلاقي وتكامل المصالح بينها . لكن توافقهم مع النقابات و المستخدمين والمستهلكين يبدو بعيدا ، رغم خطورة الوضع الاجتماعي ، والأمر هنا يتطلب تبني واعتماد مفهوم ومقاربة المؤسسة والمقاولة المواطنة .
- التوافق العام بين المؤسسة الملكية والأحزاب وباقي الفاعلين :
وهو توافق رئيسي واستراتيجي ،ومحدد لاستمرار الدولة ككل . فتاريخيا وبالمغرب نعلم أن التوافق بين المؤسسة الملكية والمكونات السياسية كان منهجا حاسما في كل الأزمات ، كما كان أيضا مؤشرا على كل الأزمات . ونذكر هنا بالتوافق بين الحركة الوطنية ومحمد الخامس قبيل الاستقلال . والتوافق بين الحسن الثاني والكتلة الديمقراطية منذ دستور 1994 ، ودخول حكومة التناوب التوافقي 1998 في إطار ما يعرف بتجاوز" السكتة القلبية" – على حد تعبير الملك الراحل الحسن الثاني -إ... وفي غيابه - أي التوافق- نذكر بسنوات الرصاص وما خلفته من صراع على السلطة بين الملك الراحل الحسن الثاني والمكونات السياسية والعسكرية في سبعينيات القرن . لكن هذا التوافق الجديد لن يتم إلا بأحزاب قوية ومتحكمة في قواعدها وقراراتها ، وديمقراطية في تدبير شأنها ، وحاسمة في مشروعها ، وقادرة على الانخراط في التسيير والمشاركة في الحكم وفق قواعد واضحة . مع الإشارة هنا أن دستور 2011 كإطار للتعاقد ، لا زال يسمح بذلك ، بل لا زال ينتظر التنزيل الديمقراطي والمؤسساتي ، في أفق توحيد التصور والتوافق وحتى التفاوض حول دستور جديد .