الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مولاي الشريف طاهيري: "أفتوا الإسبان في الحلوف الكتالاني والكرموص الصحراوي!"

مولاي الشريف طاهيري: "أفتوا الإسبان في الحلوف الكتالاني والكرموص الصحراوي!"

تُستعمل كثيرا مقولة "حلوف كرموص" في المغرب، وبروايات متعددة، لضرب المثل على ازدواجية المفاهيم بخصوص الحلال والحرام. فهذا المثل الشعبي يسخر مِمن يأبى لحم الخنزير ويعرض عنه لكونه أكلا محرما مقيتا بحكم النص القرآني، ويستحلّ فاكهة التين التي لا تبرح خانة "الطيبات" و"ما أحل الله" ولو كانت تحصيل سطو وسرقة!

هذه الازدواجية في تصنيف الحلال والحرام هي أمر شائع في الكثير من المجتمعات والأديان. لكن قد يحصل أن يتشابه الحلال والحرام سياسيا عند دولة بحجم مملكة إسبانيا، وهذا هو المقصود من استعارة المثل الشعبي المغربي في هذا الوصف.

فالعنوان أعلاه يشرح ويُفصّل التناقض الرهيب الذي تُظهره إسبانيا بخصوص انفصال كتالونيا وانفصال الصحراء، وكيف تبتهج إسبانيا لانفصال وتتأفف من آخر!

إسبانيا التي عندما يتعلق الأمر بجارتها الجنوبية تكون أول من يلبس ثوب راعي حق الشعوب في تقرير المصير لِتصطفّ بجانب انعتاق "الشعب الصحراوي" من "الاستعمار المغربي".  فالحكومة المركزية الإسبانية التي ترفض البتة فكرة انفصال إقليم كتالونيا عن ترابها لا تجد حرجا في مباركة انفصال الأقاليم الصحراوية عن المغرب.

إسبانيا نفسها التي ترى في غالي إبراهيم، وقبله محمد عبد العزيز، زعماء ثوريين، ترى في كارلس بوتشديمونت (حاكم إقليم كتالونيا) إنسانا مستفزا ومتهورا.

بالإضافة إلى أن مدريد لا تفوت فرصة أو منبرا إلا وأسهبت في تفاصيل عدم قانونية الاستفتاء بكتالونيا، مع أنها تقدم كل المبررات التي تجعل من انفصال الصحراء حقا مشروعا تضمنه المواثيق والأعراف الدولية!

الجارة الشرقية للمملكة تعاني بدورها من شيزوفرينيا دعم الانفصال خارجيا و إقباره داخليا. حيث دأبت الحكومة الجزائرية أن تكون أول من ينتصب لدعم الحق في تقرير المصير بالصحراء الغربية لكنها على نقيض ذلك تُدرج مطالب استقلال منطقة القبايل في خانة المؤامرة الخارجية!

مفهوم "الحلوف الكتالاني والكرموص الصحراوي" يقاس أيضا على مكونات المنتظم الدولي التي بدورها وعلى عكس الأخذ والرد في قضية الصحراء الغربية تُجمع في الحالة الإسبانية بضرورة الوحدة وتفادي الانفصال، حيث عبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن ألمانيا لديها مصلحة كبيرة في استقرار دولة إسبانيا.

بل هناك أصوات أخرى ذهبت إلى حد تهديد حكومة الإقليم الكتالاني بعدم قبولها عضوا في الاتحاد الأوروبي في حالة التصويت لصالح الانفصال كما جاء مؤخرا على لسان جون كلود جانكر، رئيس المفوضية الأوروبية.

فلماذا كل هذا الحرص في الحفاظ على وحدة إسبانيا مقابل السعي في تفييئ وتشرذم دول الجنوب؟!

تجدر الإشارة إلى أنه، وعلى الرغم من دعم إسبانيا المتواصل لقيام كيان مستقل بالصحراء واستمرارها في احتلال ثغري سبتة ومليلية وسوابقها الاستفزازية في عهد آثنار، فالخارجية المغربية عبرت عن دعمها لوحدة إسبانيا، معللة ذلك كون المغرب له ثوابت في سياسته الخارجية، رغم أنه تم تبني عكس هذا التوجه مع الفاعل الآخر في مشكل الصحراء بحيث عبر المغرب عن تأييده لمطلب استقلال منطقة القبايل، اعتمادا منه على مبدأ المعاملة بالمثل في إثارته مؤخرا القضية داخل أروقة الأمم المتحدة بعد صيام طويل عن الشأن الداخلي للجزائر، وبهذا يبصم المغرب على دخوله حلبة الازدواجية ويحق فيه أيضا وصف "حلوف كرموص" الذي أسلفنا شرحه.

يشهد التاريخ أن المطالبة بالانفصال في كثير من الحالات (خصوصا في العالم الثالث) كانت نتاج واقع مجتمعي قائم على مجموعة من الغيابات: غياب الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة الحق والقانون والعدالة الخ.. لكنه في حالات أخرى لا يعدو كونه أحد مخلفات التقسيم الجغرافي الكولونيالي المُطرّز على هوى الدول الاستعمارية التي ساهمت في تفكيك الروابط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للشعوب.

فالواقع الكردستاني مختلف عن الواقع  القبايلي وواقع جنوب السودان مختلف عن واقع جنوب المغرب!

أطروحة الانفصال التي دعمتها الامبريالية في العديد من البلدان وقدمتها على كونها عصًا سحرية تُخرج الشعوب من القهر نحو الانعتاق، ليست سوى مجرد نهج استعماري جديد وسيرورة تكميلية تمكن المستعمر من استغلال الثورات وفرض السياسات عن طريق لي ذراع الأطراف المتنازعة وابتزازها.

في المقابل يمكن إدراج الانفصال السياسي في خانة "أبغض الحلال" حين تشيع العنصرية العرقية أو المذهبية وحين تُستنفَذ كل محاولات جمع الشمل و إصلاح ذات البين.

إن في موقف الدول والهيئات الأوروبية من انفصال الكاتالان عبرة في ضرورة الدفع نحو الوحدة، كما في قوة الاتحاد الأوروبي عبرة في جدوى السعي وراء تكتلات اقتصادية إقليمية.

فهل تستسيغ الجزائر ومعها المغرب، قبل فوات الأوان وإدبار الزمان، درس الاتحاد والتكتل الذي يشرحه لنا يوميا جيراننا الشماليون، أم أن المكائد والطعن المتبادلين سيستمران لغاية إذاقة الشعبين ويلات التمزق والتشرذم وحصول شرخ كبير يستحيل معه ترميم ما سيتبقى من البلدين.