الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: تذكير إلى رفاقي وزملائي في منظمات حماية المال العام

مصطفى المنوزي: تذكير إلى رفاقي وزملائي في منظمات حماية المال العام

كثيرا ما يطرح سؤال التحول الديموقراطي المعاق نفسه بإلحاح، وبنفس القدر تحاول تفاعلات كثيرة وتأويلات متنوعة، معالجة الأسباب الحقيقية لهذا التعثر، الذي كاد يتراءى بنيويا، وتجلى ذلك من خلال تعدد المرجعيات في شكل مقاربات متباينة، تتقاطع جلها في سبب أساسي هو استبداد الفساد بالشطط في استعمال القوة والنفوذ والتسلط والتحكم والهيمنة، وهذا يتبدى من خلال إقرار الدولة، عبر تقرير الخمسينية حول التنمية وكذا تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة اللذين خلصا إلى تفاعل جدلي بين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان مع فظاعات الجرائم الاقتصادية والمالية.

وبغض النظر عن فشل التسويات المتوالية، اعتبارا من زمن "المغرب الجديد" و"المسلسل الديموقراطي" عبر حلقات زمن قاموس "التراضي والتوافق" و"التناوب" إلى زمن الحقيقة الموؤودة والإنصاف المؤجل، مما يهدد مصداقية الالتزامات التبادلية ، وبالتالي يفتح باب التشكيك في طموحات العهد الجديد، ونقد سياسة تضخيم انتظارات المجتمع، بالنظر إلى تخلي الحركة الديموقراطية، في سياق التنازلات الايجابية، المتدرج عن عقيدتها المرجعية، مقابل الانفتاح بالبناء الديموقراطي، يؤسس لتحرر المجتمع من ذيليته للدولة الأمنية، والتي حاول مهندسوها الأمنيين مقاومة التحول بالتكيف، باعتبار أن المهم هو الاستقرار، وهو ما أفضى إلى تكليف حكومة ذات علاقة متوترة مع حكمة المشرع الدستوري وإرادة القوى الحية، إلى درجة أن كل المقتضيات التي من شأنها هيكلة دولة القانون والمؤسسات والحقوق والحريات ذات بعد اجتماعي، أدرجت في ذيل المخطط التشريعي للحكومة، بغض النظر عن فشل مقاربتها في مكافحة الفساد الاداري والمالي، رغم توفر،دستوريا، آليات الحكامة الجيدة لمحاربة الريع وتخليق الحياة العامة وآليات الحماية والوقاية من الفساد والمنافسة غير المشروعة وغسيل وتهريب الأموال ونهبها وتبذيرها وكذا التملص الضريبي والتهرب ،مما يرشح الوطن إلى المجهول.
إن هذا الوضع المتردي المتراكم لم يعد فقط سؤال التحول الديموقراطي المعاق تفاقمت حدته ليطرح مصير البلاد في العلاقة مع مطلب الأمن القيمي وتخليق الحياة العامة وما يستتبعه من تجويد للخدمات العمومية ورد الاعتبار للحق في العيش الكريم، ناهيك عن الحق في المعرفة والأمن القضائي والحكامة الامنية، وهي قضايا حقيقية تستدعي التفكير جماعيا وعموميا للمساهمة تشاركيا في صياغة مقترحات حلول للتأسيس لثقافة جديدة تجدد النفس الحقوقي للنقد والتقييم والرقابة ذات الصبغة المدنية، تواكب الدخول السياسي المتعثر عبر آلية الديموقراطية التشاركية، بغية مأسسة مساهمة قوى المجتمع في بلورة السياسات العمومية وصناعة التشريع، وكل تدابير مراقبة وحماية المال العام والنزاهة وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص، وإعمال الشفافية ومحاربة الزبونية واستغلال النفوذ والارتشاء والارشاء، وسن استراتيجية عدم الافلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة. فأمام استشراء الفساد الاداري والمالي، وكذا الفساد الانتخابي الذي يؤثر سلبا على الخريطة السياسية ويشوه المشهد الحزبي.
لذا فمن أجل مقاومة انهيار قيم الالتزام والحكامة والمواطنة، ومن أجل تأهيل العمل السياسي اقترانا مع ترشيد الفعل الحقوقي وتأمين سلمية تدبير الصراع السياسي والتنافس الاقتصادي، ودمقرطة المؤسسات والمبادرات والاستراتيجيات التربوية والثقافية والسياسات القضائية والأمنية، واستكمالا لكل أوراش الاصلاحات الدستورية والسياسية والادارية والتشريعية والمؤسساتية، وصونا للحقوق والمكتسبات وسن وإقرار ضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة السياسية والاقتصادية؛ ندعو نحن المنظمات والجمعيات المدنية والحقوقية والاجتماعية والفعاليات الاكاديمية والمعرفية إلى الانخراط في شبكة وطنية توحد الجهود وتنسق الامكانيات، مع استحضار كل التجارب والتراكمات الفضلى في المجال، ولعل الحد الأدنى الموحد فيما بين الفعاليات المؤسسة والمنخرطة هو تخليق الحياة العامة وحماية المال العمومي وتجويد الخدمات العمومية وتحصين المكتسبات والحقوق، وذلك بمقاربة توفق بين الترافع والاقتراح والاحتجاج السلمي والمرافقة النقدية والمراقبة القانونية.