السبت 18 مايو 2024
مجتمع

محمد سالم إنجيه: مذكرات الحج... رحلة الذكر والشهود (12)

 
 
محمد سالم إنجيه: مذكرات الحج... رحلة الذكر والشهود (12)

- من شهود المنافع.. التسوق:

بالعودة إلى مكة المكرمة بعد أيام التشريق في منى، وأداء طواف الإفاضة تختتم أعمال الحج، ويبدأ الحجاج -الذين تجنبوا التسوق  قبل الحج- حركة جديدة من شهود المنافع تتعلق باكتشاف ومعاينة ثمار العالم التي تجبى إلى الحرم عبر الاستيراد أو الاصطحاب من قبل الحجاج، تصديقها لقول الحق سبحانه: "أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون" القصص 57.

فالحاج يجد أنواع وأصناف الثمار، والمنتجات التي لا تتأثر جدتها باختلاف الفصول، ولا طريقة الوصول...

ثقافة الاستهلاك المرتبطة بالمجتمعات المعاصرة ضاعفت منسوب إقبال الحجاج على التسوق، حتى إن متاجر السقط المنتشرة في كل مكان، لم تمنع شركات الأسواق الكبرى من فتح فروع لها، وحيازة نصيب مهم من المتسوقين...

الدعاية والتفنن في طرق العرض، وملكة التسويق لدى غالبية تجار التقسيط؛ كل ذلك يغري الحجاج بالشراء بنهم، ويسهم في ذلك حرص عامتهم على اصطحاب الهدايا والذكريات...

أمر التسوق محكوم بنمطية في نوعية المشتريات، وغفلة عن تحديد المبتغى وفق الإمكانيات المادية؛ فيضيع وقت كثير في التجوال والتردد على المحلات والأسواق...

طبعا تختلف غايات الحجاج وقدراتهم المالية، وغالبيتهم يهتم باصطحاب السبح والأثواب، والعطور فضلا عن التمور ومياه زمزم، وعادة ما تقع مشكلات عند العودة في المطارات بسبب زيادة الوزن...

في لقاءات عديدة مع بعض الحجاج أوجههم لجعل الكتب ضمن المشتريات فهي أبقى للنفع وأقوى للذكرى، وتفيد صاحبها ومن يطلع عليها؛ خاصة الكتب المتعلقة بتاريخ الحرمين، وفضل مكة والمدينة، والكتب التي تناولت بعض الأحداث والوقائع ذات الصلة ببدايات رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والخلافة الراشدة، والمراحل التي عرفها الحرمان وما شهداه من تطوير وتوسيع عبر التاريخ إلى الآن...

موافقة لرغبة نسوة ضمن رفقتنا توجهنا مساء الاثنين إلى مدينة جدة لمظنة تعدد الخيارات في التسوق، تركتهن والسوق، وانتظرت الأخ الحبيب أبو المعالي أستاذ اللغة الانجليزية بالقسم التحضيري بجامعة جدة؛ الذي طال عهدي به، حيث افترقنا نهاية الدراسة في كليتي الآداب بالنسبة له والشريعة فيما يخصني بأكادير سنة 1991، جاءني بعد صلاة العصر، وذهبنا سويا؛ فتناولنا وجبة سمك في مطعم عمو حمزة قريبا من كورنيش جدة، ثم توجهنا إلى بيته، حيث أعددنا كأس شاي في جلسة ماتعة استرجعنا فيها شريط ذكريات الدراسة الجامعية، أحداثا وشخوصا، ومواقف وطرائف...

بعد انقضاء زيارتي لأخي الحبيب أبو المعالي، وانتهاء مهمة التسوق للنسوة، غادرنا جدة صحبة سائق سيارة أجرة باكستاني ظريف؛ في الطريق إلى مكة وقبل نقطة تفتيش الشميسي، وتجنبا لاختناق المرور انحرف يمينا سالكا طريقا أشارت لوحته بخط أحمر إلى أنها لغير المسلمين، الذين يمنع عليهم دخول حدود الحرم المكي؛ فقلت له كيف سرت في هذا الطريق؟ فأجاب على الفور طريق المسلمين مزدحم وفيه تفتيش ومراقبة للسرعة، خلافا لطريق غير المسلمين؟؟

فخطر لي من رده حقيقة أن الدار الباقية الخالدة هي الدار الآخرة، وما دونها فكله مشقة وموطن اختبار، وعلى المرء حسن التوقع للمكاره في هذه الدنيا؛ فسالك طريق الحق معرض للفتن من الشهوات والشبهات التي هي جند إبليس عصمنا الله والمؤمنين من كيده وغيه... أما طريق غير المسلمين فمؤداه غير مأمون، وإن كان ظاهره سلسا لكونه مبنيا على أساس اتباع الهوى، ومتبع الهوى يحسب أنه في منجاة من الردى... وهيهات هيهات..

اجتهد سائقنا في البحث عن طريق مختصر إلى الفندق عبر التواصل مع زملائه السائقين هاتفياً، وفعلا أوصلنا إلى مواقف الفندق أسفل أبراج الوقف في وقت مناسب...