Monday 12 May 2025
فن وثقافة

إدريس الكنبوري: الانتماء التنظيمي أفسد عقل أحمد الريسوني !

إدريس الكنبوري: الانتماء التنظيمي أفسد عقل أحمد الريسوني !

يعجبني كثيرا كلام الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس الأسبق لحركة التوحيد والإصلاح، فهو غالبا ما يكون مصدرا للمتعة. وأنا أعرف جيدا أن هناك علاقة وثيقة ما بين الفكاهة والفِقاهة، وفي هذه الأيام ولله الحمد كثير من الفقهاء شرقا وغربا يخلقون فرصا للتفكه بادعاء التفقه، عبر إطلاق الفتاوى المملحة ورمي الأفكار المجنحة

قرأت قبل لحظات أن السيد الريسوني قال في محاضرة بمدينة مكناس كلاما لو أن الراحل الزياني سمعه لضمنه كتابه الضخم "إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس"، فما قاله يصلح فعلا أن يكون واحدا من أخبار الحاضرة الجميلة.

السيد الريسوني قال إنه لا يمكن الفصل بين الدين و السياسة ، وأن على العالم أن يعيش قضايا أمته، وأنه ليس شرطا أن تكون في حزب سياسي أو جمعية سياسية ولا أن تكون معارضة أو موافقة. وأعطى مثالا بعمر بن عبد العزيز حيث كان له وزير ومستشار من العلماء، وكذلك محمد الخامس الذي كان له مستشار من العلماء.

وهذا كله كلام جميل لا غبار عليه، الغبار الوحيد أن صاحبه هو الريسوني لا غيره

أولا هناك مغالطات تاريخية كبرى. ليس عمر بن عبد العزيز الوحيد الذي كان له مستشارون من العلماء. جميع السلاطين في تاريخ الإسلام كان لهم مستشارون، وجميع سلاطين المغرب أيضا كان لهم مستشارون من العلماء والفقهاء، وكان من هؤلاء السلاطين من يقصد العالم في داره أو يراسله، إذ ليس شرطا أن يكون العالم في القصر حتى يكون مستشارا. بل من سلاطين المغرب من كان عالما ترك مؤلفات، أمثال سيدي محمد بن عبد الله. ثانيا لا أعرف لماذا ذكر محمد الخامس ولم يذكر الحسن الثاني، فهذا الأخير كان له مستشارون من العلماء أيضا

والسيد الريسوني قال إنه لا فصل بين الدين والسياسة، ولذلك دخلت السياسة حتى في اختيار الأسماء التي استدل بها

ولكن تعقيبي على كلام السيد الريسوني ليس هنا.

المشكلة في قوله أن "على العالم أن يعيش قضايا أمته، وأنه ليس شرطا أن تكون في حزب سياسي أو جمعية سياسية ولا أن تكون معارضة أو موافقة".

وليس معروفا على الريسوني غير الانتماء، ولذلك فهو يخرج عن هذا الشرط، ويقع في تناقض.

نعم، هذا الكلام صحيح، ولكن بشرط أن يكون من يتصف بالأعلمية أو التفقه بعيدا عن التنظيم ولا تحت راية.

هناك كثير من العلماء أو الفقهاء يتحدثون صباح مساء عن ضرورة استقلالية العالم، لكنهم يقصدون الاستقلالية عن الدولة. فماذا عن الاستقلالية عن التنظيمات الحزبية أو الدعوية؟ هل التبعية في هذه الحالة استقلالية؟.

ثم ماذا عن العالم المستشار لعمر بن عبد العزيز، والعالم المستشار لمحمد الخامس، هل هما مستقلان أم غير مستقلين؟. إذا كانا مستقلين فلماذا انتقاد العلماء الذين يسيرون في صف السلطة؟ وإذا كانا غير مستقلين فلماذا التنويه بأن السلطانين المذكورين كان لهما مستشارون من العلماء؟.

ورثت الحركات الإسلامية ثقافة العداء للدولة من التنظيمات الشيوعية، وانساق العلماء التابعون لها وراء هذه الثقافة التنظيمية لا وراء الثقافة الإسلامية، والنتيجة أن الدولة ما صلحت وأن العلماء أفسدتهم السياسة

إنني أخشى أن أرتكب خطأ فادحا حين أقول: الانتماء التنظيمي أفسد عقول العلماء.