الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

ميلود العضراوي: اجتماع "أستانة 6" يرسم الخريطة الجديدة لسوريا

ميلود العضراوي: اجتماع "أستانة 6" يرسم الخريطة الجديدة لسوريا

الدينامكية الإقليمية في الشام توضحت أكثر، ومشروع التقسيم انتقل من البعد الثلاثي الاستراتيجي إلى أربعة مناطق مقسمة تحت ذريعة "خفض التصعيد" وإيجاد مناطق آمنة في سوريا يمكن أن تستوعب عددا أكبر من السوريين (ثلاث ملايين سوري) الفارين من جحيم النظام السوري وأفعاله الإجرامية. عمليا لا تخضع سوريا في جزء مهم من مساحتها الجغرافية للنظام السوري، هذا الأخير أصبح يراقب ما أسمته السلطات الروسية "بسوريا المفيدة" مساحة مصغرة من الخريطة السورية، في نية مسبقة لقبول إجراء التقسيم والمحافظة على الخيارات الدولية الاستراتيجية وحماية مصالح القوة الإقليمية في المنطقة، بما فيها إيران وروسيا وتركيا. هذه الأخيرة هي الخاسر الأول في العملية بعد النظام السياسي والمعارضة السورية، خسران تركيا كان نتيجة تأخرها أول الأمر في غمر النداء السياسي للجيش الحر والمعارضة السياسية بدعم عسكري، كان لتركيا الأولوية في تلبية هذا الطلب. العملية ككل لا تخدم مصلحة نظام الأسد ولا مصلحة المعارضة السورية، فكلاهما خسرا سوريا، النظام السياسي باقتصاره مجبرا على حكم منطقة محدودة جغرافيا من سوريا، والمعارضة بخروجها من الصراع بخفي حنين.

بيان "أستانة 6" ندير شؤم وآخر مسمار يدق في نعش سوريا الموحدة. التقسيم إلى أربع مناطق اعتبر متنفسا إنسانيا والرفع من مساحات مناطق "خفض التصعيد" هو وسيلة فعالة لحماية الحياة المدنية التي يجهز عليها الأسد والطيران الروسي دون اعتبار للحق الإنساني في الحياة. الجرائم البشعة التي ارتكبها ويرتكبها النظام السوري هدفها هو الترحيل والتهجير الممنهج وإخلاء المناطق، لأن ذلك يسمح لقوات النظام بكسب المزيد من الأراضي كما فعلت في معارك ضواحي دمشق وحلب ودير الزور والرقة مع اعتبار أن معركة الرقة تحظى بإجماع المراقبين كونها معركة ضد الإرهاب ودحر المليشيات الإرهابية الداعشية لا يختلف عليه أحد، سواء كان من قبل الجيش النظامي السوري أو من قبل المعارضة السياسية أو المليشيات الكردية المعتدلة، علما أن الجيش الحر كان الأولى بهذه العملية لو تأتى له الدعم الكافي للقيام بذلك.

الآن نتائج "أستانة 6" ستعوم على لقاء "جونيف 8" المقبل، ليتحدد بكيفية نهائية مصير "سوريا الصراع الجيوسياسي"، التي صارت قاب قوسين أو أدنى من التقسيم واحتوائها على رباعية متكاملة للمناطق ذات الحكم الذاتي أسوة بالعراق  الذي دخل فعلا مرحلة التقسيم بإعلان إقليم كردستان دولة مستقلة. منطقة إدلب في سوريا تعيش الآن على إيقاع التقسيم ومثال حي على ذلك، المجلس الإقليمي للمحافظة يشتغل خارج أي تأطير مركزي للدولة أو لهيئة تحرير الشارم نفسها، يمكن اعتباره النموذج الإداري الذي سوف يحكم المناطق باستثناء المنطقة الكردية التي ستطالب بإقامة دولة مستقلة على طريق البارزاني في شمال العراق.

نجح المخطط الصهيوني الذي قدمه "برنار لويس" سنة 1991 بناء على مشروع "سايكس بيكو" الاستعماري، الذي خرج إلى الوجود سنة 1916. وبذلك اعتبر مشروع صهينة المنطقة وتقسيمها أطول مشروع تجزيئي بنفس طويل تم تحقيقه بعد قرن من الزمن.

هدف المشروع التجزيئي أيضا هو القضاء على الحضارة المنافسة للحضارة الغربية انطلاقا من الشرق العربي وآسيا، فشل الغرب في احتواء النهضة الآسيوية بعد انخراط اليابان ومحيطها الآسيوي في بناء العالم من الرؤيا الغربية للواقع الإنساني والتحاق الصين بهما ، مهما اختلفت المبادئ والرؤى بينهما، فصار حتما إنهاء الحضارة الإسلامية لأنها غير مستعدة لقبول شروط العصر.