Wednesday 16 July 2025
مجتمع

محمد سالم إنجيه: مذكرات الحج... رحلة الذكر والشهود (9)

محمد سالم إنجيه: مذكرات الحج... رحلة الذكر والشهود (9)

- النفرة إلى مزدلفة ثم العودة إلى منى:

مع غروب شمس يوم عرفة نفرنا إلى مزدلفة على مسافة حوالي سبع كلمترات، ولأجل ضبط تنقل حجاج وكالة الأسفار، وضمان عدم تخلفهم،  تم التنبيه على ضرورة استقلال الحافلات بحسب الإقامة في الفنادق،.. انطلقت حافلتنا وفي مقدمتها ممثل الوكالة ومرشد تابع للمطوف تكلف بدلالة السائق على الطريق باستعمال برنامج الطرق على هاتفه المحمول...

بعد ما يقارب الساعتين من السير في موكب متصل من الحافلات ولج السائق موقفا بمزدلفة، فنزلنا مصطحبين معنا أفرشة خفيفة، جددنا الوضوء وصلينا المغرب والعشاء جمع تأخير كما هو هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ثم تناول كل منا ما تيسر له من القوت واضجع، حتى إذا مضى نصف الليل، أيقظنا النائمين، ثم تطهرنا وعدنا إلى الحافلة لتنطلق بنا إلى منى التي بلغناها بحمد الله في زحمة سير كثيفة قبل ساعتين من الفجر..

أثناء نزولنا بالمزدلفة التي هي المشعر الحرام لأنها داخل حدود الحرم  خلافا لعرفة التي توجد في الحل خارج الحرم، حافظنا على تفاوت بيننا على تكرار التلبية، وأرشدنا رفقتنا إلى سنية ذكر الله تعالى، والدعاء، ومطلب الإكثار منه،.. قال تعالى: "فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ* ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ [البقرة(198)(199)].

الأصل من هديه صلى الله عليه وسلم تمام المبيت بمزدلفة إلى حين طلوع الفجر، وبعد الصلاة يقف الحاج متوجها لله تعالى بالدعاء قبل الانطلاق إلى منى، وقد رخص صلى الله عليه وسلم للضعفة ومن يقوم عليهم، والرعاء، ومن له مسؤولية عامة، كالسقاية وما في حكمها من الوظائف العامة بالنفرة إلى منى دون انتظار الفجر...

والذي غلب على الحجيج الاكتفاء بالحد المجزئ من المبيت وهو حط الرحال والصلاة، وأخذ قسط من الراحة، وهو أمر صار بمثابة الاختيار اللازم لضمان سلامة الحجاج وتيسيرا عليهم،...

تعذر المبيت حتى الفجر على جميع الحجاج يجعل النقاش مفتوحا دائما، ويسوق المراعي للتيسير مسوغاته ومنها رفع الحرج، وتحقق أسباب الرخص التي من أجلها أذن النبي عليه الصلاة والسلام لمن دفعوا دون استكمال المبيت، فضلا عن مراعاة خطط التنظيم في المشاعر المقدسة، كما يعرض آخرون ضرورة الاقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم،..

والقول الوسط هو حسن التفهم لمقتضيات تسهيل النفرة، التي تحتم تتبع سير الحافلات ومدى إمكانية إيصالها الحجاج إلى مخيماتهم، ذلك أن سلطات التنظيم تمنع ولوج الحافلات إلى وسط منى قبل ساعة تقريبا من الفجر الأمر الذي يوقع حرجا في تنقل الحجاج للوصول إلى مخيماتهم مما يعرضهم للحرج الشديد وهو أمر مخالف للمقصود... ومن تيسر له المبيت دون حرج عليه أو على رفقته، ولم يتسبب في الإخلال بخطط التنظيم التي تعتمدها السلطات المعنية فله أن يبيت ويمشي راجلا إلى منى. والأمر يسير على من وفقه الله تعالى لأداء أعمال الحج مستحضرا مقاصدها...