لم يكن ذلك الصباح بداية يوم عادي بالنسبة لي وأنا أستمع إلى الأخ عبد الكريم بنعتيق الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، إثر زيارة مهنية لمكتبه بالوزارة تهم متابعة حصيلة العمل الحكومي بمناسبة مرور مائة يوم في الجزء الخاص بالقطاع الذي يشرف عليه.
وجدت الرجل يضع يده على رأسه منهمكا في الحديث هاتفيا إلى عائلة بلال عبداني، الذي لفظ أنفاسه بسجن احتياطي بمرسيليا.
بدأت أتابع الحادث المؤلم، وتسربت إلى مسامعي بعض التفاصيل التي أربكت كلمات الوزير الذي كان يبحث في كل صلاحياته من أجل تخفيف المعاناة النفسية التي ألمت بعائلة بكاملها سواء الأب أو الأم في الديار الفرنسية أو الجد الموجود حاليا بمدينة تازة، منتظرا وصول حفيده جثة هامدة من أجل الدفن في وطنه الأول المغرب.
كان الأخ بنعتيق جد متوتر، يبحث مع العائلة عن سبل قانونية وإجرائية من أجل انتزاع حقوقها عن طريق القضاء، منوها باختيار المحامي jerome pouillaude لمتابعة هذه القضية ذات البعد الراهني والحساس، والتي من شأنها أن تكون الخط الفاصل بين الحقيقة والوهم الذي يبدو أن الأمن الفرنسي وقع فيه، لمجرد أن الفقيد بلال نطق بعبارة "الله أكبر".. وهي العبارة التي كانت عنوانا عريضا وكافيا ليلفظ الضحية أنفاسه داخل زنزانة السجن الاحتياطي بمدينة مرسيليا الفرنسية، بعد اعتقاله من طرف الأمن الفرنسي بفندق نزل به ليلة 6 غشت 2017، قادما إليه من مدينة فيين، وقضى بإحدى غرفه ليلة واحدة، وقرر مغادرته طالبا من عامل الفندق استرجاع مبلغ 80 أورو عن الليلة الثانية التي كان أدى حجزها مسبقا، إلا أن العامل المذكور رفض إرجاع المبلغ المشار إليه، ليدخل الطرفان في خلاف تلفظ أثناءه بلال بعبارة "الله أكبر"، الشيء الذي تطلبت استنفار رجال الأمن الفرنسي واقتياد الضحية إلى مخفر الدائرة الأمنية رقم 8 دون مراعاة حالته الصحية والأدوية التي كانت بحقيبة والمتعلقة بعلاجه من مرض عقلي ونفسي.
لم تكن العبارة بالطبع ذات مرجعية داعشية، بل تم توظيفها في منظومة ثقافية متكاملة تعني رفض التبرير الذي قدمه عامل الفندق كي لا يرجع المبلغ المحدد في 80 أورو التي ستكون كافية كي يغادر بلال فيين، ويقضي يوما بمدينة مرسيليا ليستمتع بشمسها ورمال شاطئها.
وفور انتهاء الوزير من المكالمة، طلبت منه مدي بعنوان العائلة وهاتف المحامي، وجدت كل التسهيلات في الأوراق التي وضعها الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج نصب أعينه مثبتة في أجندته الخاصة المفتوحة على كل ما يتعلق بقضية بلال.
لا أخفيكم، قرائي، أني نسيت موضوع زيارتي للوزير، ركبت أرقام المحامي، وجدت العلبة الصوتية، تركت له رسالة، تم ركبت في هاتفي النقال رقم جد الضحية السيد عبد القادر الذي أجابني على الفور وأنا أهم بالخروج من باب الوزارة، كان الرجل متألما جدا لكن معنوياته كانت مرتفعة وهو ينوه بالتضامن وحجم المسؤولية التي وجدها في وزارة الهجرة وفي القنصل المغربي بمرسيليا، كما وجدت كل المعطيات التي بعثها الرجل على إميلي الخاص من هاتفه النقال.
بدأت أتصفح، انزلقت رجلي سقطت أرضا، تابعت خطواتي دون اكثرات، الألم في ركبتي ليس بحجم تمزق داخلي، أحسسته وأنا أفكر في بلال الذي ضاع لأنه قال "الله أكبر"، وتساءلت: كيف تتحول كلمات تهم شأننا الروحي إلى سلاح حاد لقطع الرؤوس مرة في المشهد الداعشي الذي نحاربه ونتصدى له جميعا، وكيف يمكن لنفس الكلمة في سلميتها وروحانيتها وعقائديتها أن تتحول إلى مجال لاستباحة دمائنا بقتل الأبرياء من أبنائنا في الضفة الأخرى.
تذكرت يوم دافعت قبل عقدين من الزمن في كتاباتي عن ضرورة الأخذ بالاعتبار قضية صدام الحضارات، وأن مفهوم حوار الحضارات لن يستقيم دون التفكير العميق في بؤر التوتر التي تعزز هذا الصدام في غفلة من الجميع.
جلست القرفصاء على مقربة من الشارع المؤدي إلى وزارة جاليتنا بالخارج، استحسنت اهتمام الموظفين بالقضية، قلت مع نفسي: هل تكفي الإدارة لتدارك كل الخلل القائم في علاقة الشمال بالجنوب، وعلاقة ثقافة بثقافة وفكر بفكر، ومنظومة بمنظومة.
لم يتركني الألم الذي أصاب ركبتي أن أستمر، لففت ركبتي بمنديل أحتفظ به عادة في حقيبتي، تابعت السير، وإذا بالسيد عبد القادر يبعث لي حوارا مع محامي الضحية أجراه راديو مارسيليا. استمعت الى الحوار، كان الرجل مدافعا شرسا عن بلال وعائلته باسم القانون الذي يعتبر فوق الجميع، مطالبا بالتحقيق في قضية موت بلال خلال الحراسة النظرية بسجن على التراب الفرنسي. دفاع سمعته مرة أخرى من الرجل وهو يهاتفني من مقر مكتبه من مرسيليا عشية يوم الثلاثاء 5/9/2017، مجيبا عن تساؤلاتي حول خلفيات قضية بلال والخروقات التي أقدم عليها الأمن الفرنسي في حق بلال العبداني الذي لم تشفع له كل تلك الوثائق الطبية التي تثبت حالته النفسية، بوضعه تحت تدابير الحراسة النظرية على خلفية تلفظه بعبارة "الله أكبر" خلال نقاش حاد مع مسير فندق حول استرجاع جزء من مبلغ الحجز.