إلى سي محمد والصديقين عبد الرزاق الحنوشي ولحسن العسبي
كلما فتحت جيب شنطتي باحثا عن قلم أو شيء آخر، كنت أتعثر بمفتاح شقة "سي" "محمد" التي أعارني إياها من أجل التخفيف من مصروفات لم تكن بالحسبان بعد إلغاء شركات الطيران رحلاتها فترة حرب الـ 12 يوم بين إسرائيل وإيران.
في الفترة السابقة لذلك أقمت في أحد الفنادق بأجر (معقول)، لكن عندما ألغت شركات الطيران رحلاتها، كان علي تدبر بديل أرخص فلجأت لصديقي عبد الرزاق الحنوشي الذي كان دالتي على سي محمد الذي تبرع بشقته كي أستخدمها للفترة التي أريد طالما استمر تعطل رحلتي وبقيت في المغرب.
كان لقاء عابرا مع سي محمد الذي انشغل بتجهيز أغراضه استعدادا للمغادرة لزيارة والده المريض، توفي الوالد لاحقا رحمه الله.
شربنا الأتاي) المغربي على أصوله، كان مختلفا عن ذلك الذي اعتدت عليه في المقاهي؛ لذلك طلبت كأسا أخرى وتوليت بنفسي سكب الشاي على الطريقة المغربية (من فوق، على علو ملحوظ ومحسوب، إلى تحت)؛ ثم انفتح باب الحديث، لكن ليس على مصراعيه؛ فالرجل على سفر بعيد إلى حيث يسكن والده في الأرياف، لم أعرف أين، ولا ما هو تخصص سي محمد الذي يعمل مدرسا في إحدى مدارس المغرب التي فضلها على ألمانيا التي حمل جنسيتها وتزوحإحدى مواطناتها وانجب منها ولدا يعمل طيارا وبنتا أصبحت طبيبة.
قال " دائما أذهب إليهم في ألمانيا أو يأتون إلي، لكني لا أستطيع الابتعاد عن المغرب".. وتشعب الحديث بيننا، لكن بقدر محسوب نظرا للظرف الذي شرحت.
بعد أن جال معرفا بالشقة وموجوداتها، وكنت برفقة زميل
الدراسة ورفيق السفر عبد العزيز نوفل، دفع سي محمد بالمفتاح إلى مؤكدا من الآن هذه الشقة شقتكم، أنبوبة الغاز مملوأة، والكهرباء مشحونة، وفاتورة المياه مدفوعة، وهناك سوبر ماركت و مجزرة) ومحل خضار، وكلها قريبة". ثم استأذنا للمغادرة وأصر على مرافقنا إلى شارع قريب أرشدنا إلى نوع سيارات الأجرة التي تعمل عليه، (السرفيس)، كي لا نتكلف دفع مصاريف أكثر تطلبها السيارات الخاصة (التاكسي). بعد أن شكرته كثيرا قلت "عندما نغادر إلى فلسطين سأترك لك المفتاح عند صديقنا عبد الرزاق، رد علي، كمن لا يريد شيئا خذه معك إلى فلسطين، إذا تسنى لك أعده وإلا فليكن أثرا مني هناك، عقبت، من ناحيتي لكم عندنا الكثير، خاصة باب المغاربة وحيهم".
كلما فتحت جيب شنطتي وتعثرت بمفتاح شقة سي محمد)
الذي تعرفت عليا لماما، كما أسلفت، تذكرت أثر هذا الفارس النبيل ومآثر الشعب المغربي العظيم، ومع ذلك كنت أسأل نفسي هل يحن هذا المفتاح إلى المغرب، وماذا عن مفتاحالشقة التي اكثريتها في أول زيارة إلى هذا البلد الشقيق: هل يفتقدني ؟ وماذا عن الشرفة التي تطل على الأطلسي هل تحن إلي؟ ثم من أية طينة تصنع الأشياء ذكرياتها ؟
