قال الدكتور علي بوطوالة، الكاتب الوطني لحزب الطليعة، في حوار مع " أنفاس بريس" و "الوطن الآن" أن المغرب لا يبحث عن العداء مع إسبانيا، وتابع؛ في نهاية المطاف سيضطر البلدان للجلوس والتفاوض، فالمصير المشترك والمصالح المشتركة تفرض عليهما اللجوء للمفاوضات والتفاهم:
كيف تقرأ الأزمة الحاصلة بين المغرب وإسبانيا؟
أعتقد بأن الأزمة هي نتيجة عدة تراكمات سابقة، حيث بدأ التوتر منذ مدة، وهناك بطبيعة الحال تأثير الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، لأنه كما نعلم فقد كان لإسبانيا مشروع إقامة دويلة تابعة لها بالأقاليم الصحراوية. ففي بداية السبعينيات من القرن الماضي كانت تحاول إعادة إنتاج تجربة فرنسا مع موريتانيا، لكنها فشلت لأن الحكم الديكتاتوري لفرانكو كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبسبب الأزمة الكبيرة التي كانت تمر منها إسبانيا آنذاك واضطرت في نهاية المطاف إلى الخضوع لضغوط المغرب وعقد اتفاقية ثلاثية معه ومع موريتانيا للتخلي عن الصحراء. ونحن نعرف أن فرنسا لعبت دورا كبيرا في فصل موريتانيا عن المغرب في بداية الستينيات من القرن الماضي، ونظرا لدخول الجزائر على الخط وتلقفها للمشروع الإسباني، بقيت إسبانيا تناور بشكل دائم بين المغرب والجزائر للضغط من أجل الحصول على أكبر التنازلات من طرف المغرب، في ما يخص العلاقات التجارية، وعلى الخصوص في ما يتعلق بموضوع الصيد البحري. وعلى مستوى القطاع الفلاحي، وأيضا في ما يخص الهجرة، بالإضافة إلى التنافس على المستوى الجيو-استراتيجي.
مؤخرا نتيجة النجاحات التي حققها المغرب في إفريقيا واستعادته لمقعده في الاتحاد الإفريقي، فضلا عن معالجته الناجحة لمشكل «الكركرات» والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الذي أحرج الإسبان، ونتيجة الضغوط التي مارستها الجزائر من خلال علاقتها بإسبانيا، علما بأن الجزائر تحمل مشروعا لعزل المغرب على المستوى العربي والإفريقي، وقد توفقت إلى حد ما في ذلك، حيث ضغطت على موريتانيا لاستقبال مبعوث البوليساريو مصطفى السيد، وضغطت على إسبانيا من خلال اتفاقية الغاز. ونتيجة العلاقات المتشعبة مع المخابرات الجزائرية، سقطت إسبانيا في المخطط الجزائري، كما لا يمكن إغفال وجود ملفات شائكة في علاقة إسبانيا بالمغرب. فهناك ملف سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، حيث تتخوف إسبانيا من استعادة المغرب لموقعه التاريخي، وبالتالي المطالبة بهما. ثم هناك ملف الهجرة، وهو مشكل دائم ومزمن. كما أن الاتحاد الأوروبي وبعد تجربته مع تركيا يتخوف من استعمال المغرب لنفس المنهجية، أي استعمال ورقة الهجرة للضغط على الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، ستكون إسبانيا هي الضحية الأولى لهذا الضغط. ثم هناك مشكل الصيد البحري، فكلما أوشكت اتفاقية الصيد البحري على الانتهاء ينشأ التوتر، بالإضافة إلى المنافسة الحاصلة بين المغرب وإسبانيا في ما يتعلق بعبور المنتجات الفلاحية المغربية للتراب الإسباني، بالإضافة إلى الوزن الذي أضحت تكتسيه الجالية المغربية بإسبانيا حيث تحتل حاليا الدرجة الثانية بعد الجالية المنحدرة من أمريكيا اللاتينية.
البعض يقول إن التوتر الحاصل مع اسبانيا أمر مقبول بالنظر للتراكمات التاريخية بين البلدين، لكن ما هو غير مفهوم هو دخول الإتحاد الأوروبي على خط الأزمة الحاصلة بين البلدين، فهل الأمر مرتبط بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء؟
في الحقيقة الأمر لا يتعلق بالاتحاد الأوروبي ككل، فالذي يحرك الاتحاد الأوروبي هو ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. فالاتحاد الأوروبي وبضغط من إسبانيا، نظرا لترسيم المغرب لحدوده البحرية، تعرف أنه تم اكتشاف جبل التروبيك في المحيط الأطلسي في الجانب المحاذي لمدينة الداخلة، وكذلك اكتشاف مناجم كبيرة للغاز هناك. وبالتالي، فالاتحاد الأوروبي يتخوف من كون المغرب سيصبح له موقع اقتصادي مهم، خاصة مع احتمال دخول الولايات المتحدة الأمريكية في اتفاقيات سرية مع المغرب لأجل استغلال جبل التروبيك، بالإضافة إلى الاتفاقية الموقعة بين المغرب ونيجيريا في ما يتعلق بمد أنبوب للغاز العابر لعدة دول إفريقية، والذي سيشكل منافسة قوية للجزائر، لذا لا يريد أن يرى في شمال إفريقيا قوة اقتصادية وجيو-استراتيجية موازية لتركيا. فعمليا المغرب من الناحية الجيو-استراتيجية، ومن الناحية التاريخية، كان له نفس الاحتكاك ونفس التأثير الذي كانت تمتلكه تركيا. فتركيا كانت تحكم في أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى، والمغرب كان له وجود في الجزيرة الإيبرية (إسبانيا والبرتغال) في عهد الإمبراطوريتين المرابطية والموحدية، هذا الاحتكاك التاريخي بين المغرب وأوروبا جعل معظم الإسبان يعتبرون في آخر استطلاع للرأي أن المغرب هو العدو الأول لإسبانيا. ونعلم أيضا الدور الذي لعبته ألمانيا من أجل عزل المغرب عن الملف الليبي. إذاً هذا التوجه الذي تمثله كل من إسبانيا وفرنسا وألمانيا جعل الاتحاد الأوروبي بمعظم أعضائه يمارس الضغط على المغرب، فهو لا يريد أن يرى قوة اقتصادية صاعدة في شمال إفريقيا، وأن يستعيد المغرب النفوذ الذي كان يتمتع به في العهد المرابطي والعهد الموحدي، ويلعب دورا على المستوى الجيو-استراتيجي. فما يضايق الإتحاد الأوروبي، أن يصبح للمغرب تأثير في القرن 21 على العلاقات الدولية.
ماذا عن معادلة الربح والخسارة بالنسبة للمغرب وإسبانيا في الأزمة الحالية؟
المغرب لا يبحث عن العداء مع إسبانيا، فهو حاول ومازال يحاول تجنب العداء مع إسبانيا، فهو لا يمكنه أن يعزل نفسه على مستوى الحدود الشرقية المغلقة مع الجزائر، وأيضا على مستوى الحدود الشمالية مع إسبانيا. فالمغرب سواء من الناحية الجيو-استراتيجية والاقتصادية أو ناحية التواصل البشري والهجرة، ومرور الجالية المغربية المقيمة بأوروبا عبر إسبانيا، مضطر للدفاع عن مصالحه. وأعتقد بأن التوتر الحالي ليس في صالح البلدين، وسيكون متجاوزا. ففي نهاية المطاف سيضطر البلدان للجلوس والتفاوض، فالمصير المشترك والمصالح المشتركة تفرض عليهما اللجوء للمفاوضات والتفاهم حول المصالح المشتركة، مع ضرورة الإشارة إلى أن المغرب ارتكب خطأ من الناحية التكتيكية من خلال استعمال ورقة الهجرة، بغض الطرف عن هجرة جماعية إلى سبتة بشكل غير مسبوق خلال العقدين الأخيرين، وقد أكدنا من خلال بيان فيدرالية اليسار الديمقراطي رفضنا لاستغلال مأساة الفئات الكادحة واستعمالها كورقة ضغط.
ولكن المغرب سبق له أن عبر من خلال بيان وزارة الخارجية وقبل حدوث هذه الأزمة عن رفضه الشديد للاستمرار في لعب دور حارس الحدود؟
صحيح.. ونحن أيضا عبرنا من خلال بيان فيدرالية اليسار الديمقراطي عن رفضنا بشكل قاطع للابتزاز الذي تمارسه إسبانيا، ونرفض الترهيب الذي لجأت إليه مفوضة الاتحاد الأوروبي، ونرفض كل شكل من أشكال التهديد، ونرفض أن يقوم المغرب بدور الدركي في ما يتعلق بالهجرة السرية. وهذا يفرض كما قلت على الطرفين، وخاصة إسبانيا والمغرب، فتح مفاوضات مباشرة والوصول إلى اتفاق يخدم مصلحة الطرفين، وكل تصعيد ستكون له نتائج وخيمة على كليهما. وبالتالي، فالبلدان بحكم الحتمية الجغرافية مضطران للتفاوض لإيجاد مخارج للأزمة الحالية، علما أن إسبانيا هي التي أشعلت فتيل الأزمة باستقبالها زعيم الانفصاليين بضغط من الجزائر، وربما تكون قد أساءت التقدير حينما لم تتوقع أن يكون رد المغرب بهذا المستوى، وعليها الآن أن تعود إلى جادة الصواب.