لم اجلس سوى بعض الدقائق وألا بصديقي المشاكس يقبل على بابتسامته العريضة مشيرا الى الناذل وبعدها التفت الي قائلا
- هلا اخي هل انت مستعد هيا لنتمم موضوع الامس عن القوى الناعمة وتغيير المشهد العربي لن اخفي عليك انني جد متعطش لإتمام ما بدينا بلامس
- تقصد موضوع الفوضى الخلاقة
- هدا الامر يذهلني جدا أي فكرة الفوضى الخلاقة بالله عليك فكيف للفوضى ان تكون خلاقة
- حسب منطق مفكري الغرب طبعا سيكون من داخل الجحيم الحربي الذي تغرق فيه المنطقة في سوريا والعراق وليبيا واليمن أي من داخل جحيمنا نحن جميعا يمكن تسجيل عنصر "إيجابي" في ما يدور أو في احتمال ما سيحصل هو أن الدول الإقليميّة (والكبرى) هي بالنتيجة اللاعبات الرئيسيّات في الحروب الأهلية الدائرة وأداتُها ألشاملة هي الحرب الأهلية السنية الشيعية
- لماذا، ودائماً من داخل الجحيم لا من خارجه تتراءى "إيجابيّة" هذا المعطى؟ ... - لأنه عندما تسيطر الدول على الاحتقان المذهبي أو تديرُ تَفجُّرَه فبإمكان هذه الدول أن تدير أو تسيطر أو على الأقل تساهم في انحساره هذا ما تنتظره دول الغرب من الفوضى إذا توفّرت ظروف تسوية لاحقاً على مستوى المنطقة.
- وبهذا المعنى والسياق لا خوف من التيارات الاجتماعية والأيديولوجية المتوحشة في الصراع المذهبي السني الشيعي على المدى الأبعد مثل "داعش" لدى السُنّة أو من بعض كتائب الاحتقان المذهبي الشيعي في العراق ففي مقالتهما ب "وول ستريت جورنال" تساءل وزيرا الخارجية السابقان والجمهوريان هنري كيسنجر وجورج شولتز وفي سياق معارضتهما لـ"اتفاق الإطار" الأميركي الإيراني كيف أن منطقة تعج باللاعبين "غير الدولتيين"، أي باللاعبين غير الثابتين، يمكن فيها تحقيق استراتيجية نووية سلمية؟
- هذا مجرد سؤال لكن ما هو الجواب في نظرك
- الجواب على تشكيكهما بالاتفاق جاء من داخل نصّهما بل في المقطع نفسه عندما اعتبرا القوى غير الدولتية قوى قوى وكيلة (proxy) من "الشائع استخدامها"
في الشرق الأوسط. إذن الذي يستخدمها يستطيع ضبطها بالنتيجة. في حالة "حزب الله" الضبط واضح بسبب "المركزية" التي يعبِّر عنها النفوذ الإيراني ولكن في حالات "الإخوان المسلمين" و"النصرة" و"داعش" ورغم البنية المعقّدة لهذه العلاقات فإنها بالنتيجة ليست خارج الضبط وأحيانا السهل خصوصا إذا تفاهمت تركيا والسعودية وواشنطن على قرار واحد من هذه المسألة. فحتى اليوم ربما لا يزال بإمكان الجيش التركي إنهاء أو توجيه ضربة قاصمة لـ"داعش" وضباطها البعثيين العراقيين (الذين ساهمت المخابرات التركية في تنظيمهم) خلال 24 إلى 48 ساعة
- فما هي الفكرة والنتيجة المرتقبة من وراء كل ذلك
-لاشيء يأتي من فراغ لقد سادت في التحليلات الغربية في العقدين المنصرمين، وبتأثير مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي فكرةُ دخول قوى ومنظمات فاعلة في التأثير الجيوبوليتيكي ليست مرتبطة بالدول مما يخلق قواعد لعبة جديدة لا تزال جارية. رأي كيسنجر وشولتز المشار إليه نجاعة استخدام هذه الفكرة في التحليل السياسي للأزمات. لكن ينبغي هنا التمييز بين منظمات دون الدولة تستخدمها دولٌ أو هي تابعة لها مثل "حزب الله" وبين منظمات دون الدولة "مستقلّة" مثل "حماس" وحزب العمال الكردي المسلّح في تركيا (PKK) . ثم هل كلمة "مستقلة حقيقية؟ وإلى أي درجة كما في حالة "جبهة النصرة" كفرع لِـ"القاعدة" أو "داعش" يمكن تسميتها منضمات مستقلّة أو هي باتت فعلاً تابعة كما يظهر في الحالة الليبية وليس فقط العراقية؟ ففي ليبيا تدير قطر و"الإخوان المسلمون" القوى المضادة للجيش الليبي بقيادة الجنرال حفتر الذي يحظى بالدعم المصري الإماراتي
- وما نتيجة هده اللعبة القدرة كما يراهن عليها خبراء مثل كيسنجر وشولتز
- خلاصة موقف كيسنجر وشولتز أن إيران لا تستطيع
ان تكون قوة استقرار في المنطقة
-حزمة تناقضات تكرس مسالة الفوضى
-بل فلنقل انها الفوضى التي تفضي الى استقرار والسؤال عندها ماذا يعني الاستقرار في الاستراتيجيّة الأميركية للشرق الأوسط، الاستراتيجية الجديدة في ظل الاتفاق النووي مع إيران؟ هل هو ضبط "إدارة فوضى" بمعنى المساهمة في منع تخطّيها لسقف معيّن من اللااستقرار الداخلي في بعض الدول مقابل تكريس جديد للنفوذ الإيراني ودخول الطاقات الإيرانية في السوق الرأسمالية العالمية دخولاً كاملاً أم هو تأمين الاستقرار الكامل وبدء استعادة علاقات سلمية داخلية في الدول المتفجِّرة أو التي فُجِّرت على قاعدة توازنات جديدة؟
حيث تصبح المسألة عندها ليس أي استقرار وإنما أي توازنات جديدة؟
- ادن هو استقرار يتجاوب والمصالح الجديدة لكن الى أي مدى تنجح مثل هده المخططات ثم هل هي صائبة في رؤيتها فعلا والى أي درجة من الدقة
- قليلون بين وزراء خارجية العالم من يستطيعون الادعاء بمعرفة تركيبات دول المنطقة أكثر من هنري كيسنجر. لكن نحن أبناء المنطقة نعرف مجتمعاتنا، أي أنفسَنا أكثر (على الأرجح!) مما يعرفها السيد كيسنجر. ولذلك فإن قدرة هذه المجتمعات على التفلّت من سيطرة دولها ليست مطلقة بل هناك حالات شاهدة على قوة الدولة التقليدية الضبطيّة للمجتمع، كالحالة المصرية، أو الحالة المغربية المدعومتين بثقافة سلمية عميقة للمجتمعيْن أو الحالات الديكتاتورية في العراق وليبيا وسوريا في السابق شديدة الدلالة على تجارب قوة السلطة في مجتمعات ليست فعليا ذات ثقافة سلمية إذا جاز التعبير
- مما يعني ان رؤى الخبراء تجهل الكثير عن المجتمعات التي تهدف الى زعزعتها
- وما هو رايك
- متفق معك ادن دعونا نذهب إلى سؤال آخر: ماذا سيبقى من قدرة التمرد المسلّحة في الصراع السوري الحالي لو أقفلت تركيا في الشمال والأردن في الجنوب حدودهما أمام حاملي السلاح من كل التنظيمات المعارضة؟ وهذا ليس تقليلاً من أهميّة تجربة الاعتراض المدني الشبابي السوري وتطلعاته الديمقراطية فهدا لا ينفي ذاك
- اسمح لي ان اقول لك انني لم اقتنع كليا
- طيب لنأخذ مثالا مهمّاً آخر برز في التطورات الأخيرة هو المتعلق بباكستان فباكستان دولة مضطربة داخليا لكنها ذات جيشٍ قويٍّ فعلا ذي تقاليد انضباطية وقتالية وسبق لهذا الجيش كممثِّل لـ"الدولة العميقة" أن لعب لعبةَ "بروكسي" شديدةَ الخطورة قبل عقدين من اليوم ولا سيما في التسعينات حيث ثم استخدامها في السيطرة على أفغانستان لبضع سنوات مثلما بات معروفا أن تركيا تفعل ذلك بالنسبة لِـ"داعش
"- هل من الممكن او توضح الفكرة بشكل اوفر
- اساس الفكرة هو ان الشرق الاوسط لن يستطيع أن يحقِّق بنفسه الاستقرار فلا بد من تدخل ودعم خارجي بشكل من الاشكال وهذا حُكم كيسنجر والدي لا يطال إيران وحدها بل كل قوى المنطقة. وإذا كان الجيل الحالي من أبناء المنطقة ليس لديه الحجة الكافية للرد على منطق كيسنجر بعد الخراب الذي نشهده في المنطقة فقد يكون الجيل المقبل ذا حظٍ أفضل لكي ياخد المبادرة بمنطق يتجاوب مع الواقع المعاش
هنري كيسنجر هو أحد الرموز الكبيرة في السياسة الدولية المعاصرة لمدرسة التي تولي أولوية لميزان القوى على نوعية أو طبيعة القوى التي تتوازن أو تتصارع. هو غير مؤمن بقدرة إيران على تغيير نفسها. ولكنه يتجاهل بشكل واضح النماذج المعاصرة التي فرضت دينامية التاريخ عليها أن تغيِّر نفسها ولا سيما روسيا والصين
- اراك غير منحاز الى موقف كيسنجر تجاه استعداد التغيير الذاتي لدى انظمة المنطقة
- انه لامر بديهي اد لا بد من التعجّب حيال شخصية ديبلوماسية كبيرة مثل هنري كيسنجر أدارت ما سُمِّي وقتها "عملية تغيير البيئة السياسيّة في الشرق الأوسط" عبر سحب مصر من الصراع العربي الإسرائيلي وتأمين أسس صلح مصري إسرائيلي في السبعينات من القرن المنصرم تعترض اليوم في الجوهر على عملية تغيير ثانية كبرى للبيئة السياسية في الشرق الأوسط تبناها الرئيس باراك أوباما وهي لا تقل أهميةً عن الأولى اي الاتفاق الأميركي الإيراني؟
- انك تؤمن ادن ان الرئيس جوبايدن سيحدو حدو اوباما على الاقل في الخطوط العريضة وان دلك سيكفل بتغيير في المشهد السياسي الشرق الاوسطي
- بكل تاكيد
- وما هو سندك
- الدول العظمى لاتبحت عن خوض الحروب إلا ادا كان لابد منها حيث تصبح مسالة حياة او موت اما ادا كان الطرف الاخر يتقبل اللعبة بشكل من الاشكال فبكل تأكيد ستجنح انداك الى الطرق ادبلوماسية لان الولايات المتحدة لا تخوض حروبا عصبية او ايديولوجية بل حروب مصالح جيو اقتصادية في اول المطاف وقد تضيف اليها لاحقا طعما وبعدا ايديولوجي لكي تربح الى صفها اكثر عدد من الحلفاء ليس اكثر
- هدا يعني ان السلام سيعم المنطقة ابان حقبة جو بإيدن
- نعم وما بعد لان الولايات المتحدة تحتاج الى فترة استراحة محارب لكي تتفرغ فتعد العدة لبعض القضايا الجوهرية التي يثيرانها خصميها الصين وروسيا .