الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: عيد الجزائريين وأمل التغيير في زمن الحراك

كريم مولاي: عيد الجزائريين وأمل التغيير في زمن الحراك كريم مولاي
لا أريد أن أكرر ذات البيت الشعري الشهير، "عيد بأية حال عدت يا عيد... بما مضى أم لأمر فيه تجديد"، ذلك أن أعياد الأعوام الأخيرة، التي خلنا نحن عرب المهجر، أنها حبلى بالتغيير نحو الأفضل، بعد نجاح الشعوب العربية في إسقاط حاجز الخوف وإعادة كتابة تاريخنا السياسي المعاصر من خلال شعار "الشعب يريد"... أقول إن أعياد الأعوام الأخيرة يخيم عليه حزن دفين، لكنه حزن من نوع مختلف عن الأحزان التي عهدناها...
يأتي عيد هذا العام، وقد ألزمني حادث عارض سرير المستشفى، حيث الآلام ووخز الإبر، من دون أن يختطف مني شعلة الأمل التي عشتها كعربي أولا فرح بثورات الربيع التي انطلقت من تونس، ثم كجزائري من عليه الله بالعيش إلى أن رأى جيل ما بعد سنوات الجمر التي أعقبت انقلاب عام 1992، يتحرك في مختلف ولايات الجزائر، وهو يردد شعارات الدولة المدنية وينبذ سنوات الحكم العسكري، الذي أفقر الجزائر وأقعدها عن أن تتصدر دول النهوض العربي تنمويا واقتصاديا قبل أن يحدث النقلة السياسية المأمولة..
ولقد حال العجز الصحي دوني والكتابة في هذا العيد، الذي عشته متألما كذلك للدماء التي تسيل بغزارة في فلسطين، التي تربينا نحن جيل الستينيات على أن الجزائر مغها ظالمة أو مظلومة، من دون أن يتحرك الجزائريون في الشوارع رافعين أعلام فلسطين عالية مستنكرين للجرائم التي يرتكبها قادة مجرمون أوغلوا في الدم الفلسطيني من دون رادع..
وإذا كان استبسال الفلسطينيين في حي الشيخ جراح بالقدس قد بعث في نفوس كثير منا الأمل، بأن الدنيا لا تزال بخير، وأنه لا خوف على فلسطين طالما أن بها رجال من هذا النوع، الذين تهون عليه في المعالي نفوسهم، فإن الأمل الذي بعث به الحراك الجزائري مرة أخرى يخفف من آلام المرض، وضيق الغربة الذي لا يعرف طعمه إلا أولئك الذين اكتووا بنيرانه..
لا أريد أن أحول لحظات العيد، التي يجب أن تكون مناسبة للفرح والابتهاج، مع كل هذه الإنجازات التي تقدمها شعوبنا من أجل الحرية والكرامة، ولا أن أنقل لكم صورة سوداء قاتمة عما أعيشه بين جدران غرفتي في هذا المستشفى النائي في أحد المدن البريطانية القصية، ولكنني أرد أن أعتذر عن تأخري في الكتابة إليكم مهنئا بالعيد أولا، ثم بالأمل الجديد الذي بعثه المقدسيون في نفوسنا التي كادت الثورات المضادة أن تزرع فيها بذور اليأس والإحباط..
عيدكم مبارك سعيد يا أهلي في جزائر الأحرار، مع الدعاء لكم بأن يمن عليكم الله بما يقيكم من هذا الوباء الجائحة الذي لازال يحصد الأرواح في كل أنحاء العالم، وأن يزيل من على صدوركم هذا الحكم العسكري الذي أقعدكم عن الفعل الحضاري وحال دون وإقامة علاقات جوار قوية مع إخوة لكم في اللغة والدين والإنسانية، تحت شعارات زائفة تعلمون علم اليقين، أنها ليست إلا للاستهلاك الإعلامي ولخدمة أجندات التمزيق الاستعماري القديم والحديث..
كل عام وأنتم بخير، على أن أمل أن لا يأتي العيد المقبل، إلا وقد أنهيتم حقبة الطغمة العسكرية، واسستهم لنموذجكم الديمقراطي المدني، الذي يبني ولا يهدم، ويجمع ولا يفرق، ويقود لا يتبع.. في بلاد أسست لها ثورة شهد لها العالم جميعا بأنها كانت نموذجية في التضحية والشرف..
عيكم مبارك سعيد وكل عام وأنتم بألف خير