الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

عمر بن أعمارة: رحيل امرأة..مرة أخرى حراس الآخرة

عمر بن أعمارة: رحيل امرأة..مرة أخرى حراس الآخرة عمر بن أعمارة

"إن القذارة الحقيقية تقبع في الداخل، أما القذارة الأخرى فهي تزول بغسلها. ويوجد نوع واحد من القذارة لا يمكن تطهيرها بالماء النقي، وهو لوثة الكراهية والتعصب التي تلوث الروح. نستطيع أن نطهر أجسامنا بالزهد والصيام، لكن الحب وحده هو الذي يطهر قلوبنا".شمس التبريزي

مع وفاة الآخر المختلف تتحرك الآلة الجهنمية لبعض الكتائب المدججة بكل ما هو حقد وضغينة وتنتصب كحراس على الآخرة وكنواب على الله، بعدها تقيم محاكم تفتيش وتبدأ في الفرز ثم السب والشتم والتكفير والتهويد. في حقيقة الأمر لم يفاجئنا ذلك الكم من الأقلام الحمراء التي تجندت ولا ذلك العدد من البطاقات الحمراء التي رفعت في وجه أنثى.يبدو أن منسوب التشفّي في هذه النازلة قد ارتفع كثيرا عن غيرها لكون الهالك امرأة شكلت لما يزيد عن أربعين سنة عقدة لعقول مسيّجة ومتحجرة، بل كانت لما لا يقل عن نصف قرن من العطاء والتميز والمشاكسة غصّة في حلق هؤلاء، وهاهم الآن مع رحيلها يتنفسون الصعداء ويرتشفون كؤوس النخوة والانتصار على جثتها الهامدة دون أن ينتبهوا إلى أن الفكرة هي الفاعلة ولن تموت أبدا. لقد شاهدنا من قبل نفس الممارسات ونفس الخطابات تكررت مع وفاة "مارادونا" النجم الدولي لكرة القدم وقبله مع رحيل المفكر الإسلامي"محمد شحرور"وأيضا مع وفاة العالم الكبير "ستيفن هوكينغ" كذلك نقس السلوك رأيناه مع رحيل المناضل الكبير "نيلسون مانديلا" رمز النضال ضد الميز العنصري واللائحة طويلة.

ذهنية التشفّي

هناك عقول لا تشتغل إلا بمنطق”أنا أكره إذن أنا موجود“.الكره لا يمكن أن يكون إلا منتوج العجز والفشل وغياب النظرة المستقبلية الاستشرافية والقدرة على الإبداع والاندماج في الحاضر والانفتاح على المستقبل. كأن الأقوى إيمانا هو الأكثر حقدا وكرها للآخرين المختلفين.على المرء أن يعتصر عقله كي يفهم إلى ما آلت إليه الأمور من ضغينة وكره وحقد، وهذا الكم الهائل من الرداءة والجهل الذي يسري في آلاف مواقع التواصل والذي أبى أن لا ينفك منا وأبينا نحن أيضا أن لا نضع مسافة بيننا وبينه وأن لا نفارقه ونتعالى عليه بل احتضناه بعد أن جعلنا وسائل التواصل الحديثة في خدمته. فما أخطر الجهل والفراغ الفكري حين نَسْعَدُ ونفتخر به ونحوله إلى سلاح لمحاربة كل ما هو علم وفن ومعرفة ونور وحياة وحينما نصبح فرسانا لحروب خاسرة ومدمرة تخاض باسم العقيدة أو الهوية والملّة وحينما نعتقد أننا نحن "الفرقة الناجية" وغيرنا إلى الجحيم بأحكامنا وبقراراتنا ومباركتنا.

التشفّي سلوك ناتج عن تفكير مهزوم يلاحق المختلف معه حد الآخرة قصد الانتقام منه،التشفّي ذليل فشل وعجز يكشف على مدى جبن وتخلف وجهل وحقد الممارسين والداعين له.لقد شاهدنا بعض الأصوات الجبانة والشاذة والحاقدة تبتهج فرحا وتتشفى لرحيل "نوال السعداوي" كما لو أنهم سيخلدون في الحياة(على الأقل هي عاشت 90سنة).هذااللغو والثرثرة حول مدى أحقيته فلان أو علّان دخول الجنة من عدمها كأنما مفاتيح الجنة في يد هؤلاء الجهلة الحقودين على كل ما هو حياة وفن وعلم.أو كما لو أن إله الكون نصبهم نوابا عنه. مع حضور وانتشار هذا النمط من التفكير والسلوكيات يبدو أن التربة مازالت خصبة لزرع واستنبات الأعشاب السامة من طينة ورثة داعش والقاعدة وبوكو حرام التي لا تنمو إلا حيث الجهل والضغينة والخرافة.

هناك عقول تنتشي بالخرافات والأوهام وهي تعج بكل الفراغات،هناك مساحات شاسعة من العقم داخل هذه العقول التي تجدف عكس تيارات العلم والمعرفة والحياة.نعم لقد استشرى فكر الكآبة والفزع، فكر لا ينشط إلا في أعتاب السفاهة والضحالة ولا ينمو إلا في حقول الأحقاد والضغينة. لقد راح البعض يعلن عن امتلاكه لمفاتيح الجنة والنار هكذا أصبحوا يفرزون أصحاب الجنة من أصحاب جهنم كما لو أنهم مفوضون من السماء. أي إيمان هذا الذي لا يقوم إلا على نهش لحم الآخر المختلف حياكان أو ميتا ؟ أي دين هذا الذي لا يستقيم إلا بإقصاء الآخر الذي لا يعلن اصطفافه لجانب "الجماعة المنصورة بالله"؟.

المرأة الخيمة

نوال سليلة المدرسة العقلانية المناضلة التي لا تعرف المهادنة ولا النكوص.نوال نهر هادر من الفكر النقدي المتقد.نوال تمنع وكبرياء أنثى.نوال دعوة مستمرة لخلخلة يقينيات سلبت من المرأة إنسانيتها وحولتها إلى كائن بشري من درجة صفر.نوال صرخة كل امرأة عاشت واستشعرت الظلم والاستبداد. نوال نداء لكل ما هو حياة وحب وجمال.نوال حضن لكل تفكير متمرد على المجتمعات الذكورية التي عطلتنا لمئات السنين عن غيرنا .نوال صرخة أنثى ضد مجتمعات استحكمتها عادات وتقاليد وقيم ذكورية مجحفة وظالمة.نوال صوت مزعج لكل أنظمة مترهلة وفاسدة اقتاتت وتقتات من كل ما هو جهل وخوف وفقر وظلم.نوال صرخة ضمير حي لن يهدأ.نوال شمعة ليلنا الطويل.