الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل غاب التوزيع العادل للقاح عن عالمنا في مواجهة كورونا؟

يوسف لهلالي: هل غاب التوزيع العادل للقاح عن عالمنا في مواجهة كورونا؟ يوسف لهلالي

من المقرر إطلاق حملات لتلقيح في الأسابيع المقبلة في العديد من البلدان الفقيرة بفضل أولى شحنات اللقاح، ولاسيما تلك التي طورتها شركة فايزر. وأطلقت الأمم المتحدة بدعم من أوروبا وفرنسا على الخصوص، العام الماضي آلية "ايه سي تي - ايه" الهادفة إلى تسهيل الوصول للقاحات والعلاجات أمام الجميع، وتتضمن آلية كوفاكس لشراء وتوزيع اللقاحات. لكنها لا تزال تحتاج إلى مزيد من التمويلات. وهذا التأخر في التمويل هو بسبب عدم دفع كل الدول الغنية لدعم الذي وعدت به لهذه العملية. وكذلك السباق بين القوى الكبرى لتامين اللقاح اولا لساكنها. وأكد مدير منظمة الصحة العالمية د. تيدروس أهمية "التوزيع العادل" للقاح في إفريقيا وأميركا الجنوبية بشكل خاص. ومن أجل "تسريع" حملات التلقيح في الدول الناشئة لا بد من تضامن حقيقي على المستوى الدولي، خاصة أن التلقيح ثمنه باهض جدا بالإضافة الى نذرته، ما عدا بعض المختبرات مثل استرازينيكا البريطاني الذي التزم ببيع التلقيح بثمن مقبول وفي متناول مختلف البلدان. لتجنب حرب جديدة للقاحات واستغلال بعض الدول له كسلاح ديبلوماسي.

 

واعتبر ماكرون أن تأمين وصول عالمي للقاحات سيشكل "اختبارا مناسبا جدا" لنظام "تعددي جديد" يجمع بين الدول والشركات، معربا في الوقت نفسه عن خشيته من اتجاه بعض الدول إلى اعتماد "دبلوماسية اللقاحات". وذلك في اشارة الى ديبلوماسية الاقنعة الواقية التي تصارعت حتى  الدول الحليفة من اجل الحصول عليها بعد ان افتقدها العالم.

 

وتم إعطاء أكثر من 132,3 مليون جرعة لقاح ضد كوفيد-19 في 87 دولة أو منطقة على الأقل في العالم، وفق إحصاء قامت به الوكالة الفرنسية للأنباء لاستناد إلى مصادر رسمية حتى حدود بداية الأسبوع الماضي.

 

وحصل على اللقاح ما يقرب من ثلثيها (64%) سكان البلدان "ذات الدخل المرتفع" (بحسب تعريف البنك الدولي)، والتي يقطنها 16% فقط من سكان العالم. ولم تبدأ بعد أي دولة "دخلها منخفض" حملة تلقيح واسعة.

 

ودعا نحو مئة طبيب وعالم أحياء ومحام في مقال نشر في اسبوعية "لو جورنال دو ديمانش" الفرنسية الأحد، ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى الوفاء بوعدهما بجعل اللقاح "سلعة عالمية عامة"، وذلك بهدف تأمين تلقيح سريع وشامل للعالم أجمع. خاصة أن قضية اللقاح الذي ساهمت بتمويله عدد من الدول الغنية بأموال دافعي الضرائب، أصبح بعد اكتشافه ملكية لمختبرات خاصة التي تقوم ببيعه لمختلف ببلدان العالم مع إعطاء أسبقية للبلدان التي قامت بالتمويل، وذلك من خلال عقود سرية لا يعرف تفاصيلها حتى برلمانات الدول المساهمة؛ وهو الأمر الذي ندد به عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي.

 

وحسب تصريح منصف السلاوي، المسئول الأول عن تصنيع اللقاح في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي تمكن فريقه من إيجاد لقاح أمريكي في أقل من سنة، فإن الإدارة الأمريكية أنفقت تقريبا 20 مليار دولار، هي التي مكنت العديد من مختبرات البحث وشركات الصيدلة من إنتاج للقاح بسرعة فائقة ولأول مرة في تاريخ الإنسانية. فهل خصصت هذه المقاولات العملاقة جزءا من لقاحها رهن شارة الدول الفقيرة بإفريقيا وأمريكا اللاتينية. حتى الساعة هناك وعود وخطابات جميلة، لكن أغلب الدول الفقيرة لم تتوصل بعد باللقاح.

 

رأينا كيف أصبح اللقاح سلاحا في العلاقات الدولية، وكيف حرصت الدول الكبرى على التوفر على لقاحها وتوفيره لسكانها أولا ثم حلفائها. ورأينا بلدا مثل روسيا يوفر اللقاح لحلفائه المقربين والذين يشترون سلاحه مثل الجزائر وإيران، اللتين حصلتا على لقاح سبوتنيك. وايران مازالت تجرب لقاحا كوبيا من أجل الافلات من العقوبات الامريكية. رغم أن اللقاح المحصل عليه قليل جدا مقارنة مع ما حصل عليه المغرب الذي بلغت حملة التلقيح به مستوى متقدم بالمنطقة.

 

المغرب لم يعول على حليفته فرنسا من أجل الحصول على اللقاح، التي لم يتمكن معهد باستور أو عملاق الأدوية العالمي سانوفي، حتى كتابة هذه السطور، من الوصول إلى اللقاح، وهي سابقة في بلد كان له السبق الكبير في هذا المجال.

 

المغرب راهن على امكانياته وعلاقاته المتنوعة التي مكنته أن يكون من الأوائل الذين حصلوا على اللقاح من خلال شراكة مع الصين ولقاح صينوفار، وبنفس الطريقة حصل على اللقاح البريطاني استرازينيكا، في الوقت الذي لم  تتمكن حليفته فرنسا تصنيع أي لقاح حتى الآن، مما جعل فرنسا بنفسها تعتمد على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال.

 

وفي الوقت الذي انطلقت فيه عملية اللقاح بالبلدان الغنية وفي البلدان النامية مثل المغرب وجنوب إفريقيا وبلدان الخليج، فإن عددا من البلدان الفقيرة بإفريقيا لم تتوصل بأي شيء حتى الآن وبعضها لا تتوفر على الوسائل لتنظيم هذا النوع من الحملات، وهو ما جعل منظمة الصحة العالمية تعبر عن قلقها حول هذه الوضعية.

 

ومن الواضح أنه أصبح من الضروري الإسراع بتنظيم حملات التطعيم في الدول الفقيرة والناشئة، خصوصا في إفريقيا. من اجل تحقيق العدالة في الوصول إلى اللقاح وتجاوز هذا الوضع الغير الطبيعي الذي يعيشه عالمنا اليوم، وهو تلقيح سكان البلدان الغنية والمتوسطة في حين لا يتمكن باقي سكان العالم من الحصول على اللقاح؛ خاصة أن عودة العالم إلى الحركة العادية لما بعد وباء كورونا ورفع الحجر الصحي بمختلف البلدان وعودة النقل الدولي إلى سابق عهده، سوف تدفع العديد من البلدان الغنية وشركات الطيران الى المطالبة باستقبال الأشخاص الملقحين فقط مما سيجعل باقي السكان على الهامش على مستوى التنقل والتجارة الدولية.

 

دول مثل السويد والدنمارك أعلنتا عزمهما تطوير "جواز سفر الكتروني يثبت تلقي اللقاح" لتسهيل السفر إلى الخارج وأيضا حضور الأحداث الرياضية والثقافية وحتى دخول المطاعم في الدنمارك مثلا. وهو ما يشكل عقبة أمام البلدان التي لا تتوفر على اللقاح وعلى حركة تنقل سكانها.

 

وباء كورونا والسباق نحو اكتشاف وتصنيع اللقاح وإعطائه لسكان كشف مرة أخرى على اللامساواة التي يعشها عالمنا، حيث يتم توزيع اللقاح حاليا بالدول الغنية والصناعية، ويتم استعمال اللقاح على المستوى الديبلوماسي كسلاح في العلاقات الدولية.