تشكل التنظيمات الإرهابية (داعش ، القاعدة ، حركة الشباب الصومالية ) أشد الأخطار التي تتهدد كل الدول الإفريقية وتوشك أن تطبق على عدد منها . فالتنظيمات إياها باتت تمتلك أسلحة ومعدات عسكرية تفوق فعاليتها تلك التي تتوفر عليها الجيوش النظامية للدول التي فقدت السيطرة على أجزاء من ترابها أو عجزت عن تطويق نشاط وتحركات العناصر الإرهابية.
الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول طرق التمويل وتهريب الأسلحة لصالح التنظيمات الإرهابية . كل هذا يحدث في ظل وجود تحالف دولي ضد الإرهاب وتشكيل قوة إقليمية بتعداد 5 آلاف عسكري تشارك فيها خمس دول من منطقة الساحل هي (موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينافاسو، تشاد)، تدعمها دول غربية (فرنسا، بريطانيا ، المانيا ، بلجيكا ، الولايات المتحدة الأمريكية). فضلا عن "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" (مينوسما) التي تم نشرها في يوليوز 2013، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2100 المؤرخ في 25 أبريل 2013 ، ويبلغ عدد وحداتها 13289 ويشمل الأفراد العسكريين ،قوات الوحدات، والخبراء، وضباط الأركان. ثم هناك القوة الضاربة ، وهي قوة برخان التي تمثل أكبر مهمة عسكرية للجيش الفرنسي خارج أراضي فرنسا، ويصل تعدادها 5100 عنصر. وتأسست في غشت 2014 لتخلف عملية "سرفال" التي أطلقت في يناير 2013 .
وتنتشر قوة برخان في قطاع الساحل والصحراء الكبرى، وإليها يعود فضل حماية المدن المالية الرئيسية من السقوط تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية التي تقوت مع التحاق أعداد كثيرة من دواعش العراق وسوريا وليبيا ، ثم اندماج جماعات إرهابية ضمن جماعة أنصار الإسلام والمسلمين التي تشكلت في مارس 2017 ، وتضم : أنصار الدين ، القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تنظيم المرابطون . كما توجد قوات عسكرية دولية أخرى مثل مهمة الاتحاد الأوربي التي تم تشكيلها في فبراير 2013 ، وتضم 620 جنديا من 28 دولة أوربية ، تحددت مهمتها في تدريب الجيش المالي وتأهيله حتى يستطيع مواجهة التنظيمات الإرهابية والتصدي لهجماتها .
وفي 2018 توسعت مهمتها إلى تدريب جيوش دول الساحل الخمسة. ثم "تاكوبا" وهي قوات خاصة مفوضة بالمشاركة في المعارك إلى جانب الجنود الماليين، وتتشكل من مائة عسكري.
كل هذه القوات والتشكيلات العسكرية عجزت عن القضاء على التنظيمات الإرهابية ، كما فشلت حتى في حماية وحداتها . فالهجمات متواصلة تستهدف القوات العسكرية الدولية والحكومية ، في مالي وباقي دول الساحل (أكثر من 3000 هجوم وحادث إرهابي كبير بين 1 يناير و 31 ديسمبر 2020 نفذته بوكو حرام في نيجيريا) . حسب العدد 270 من صحيفة "النبأ" التي يصدرها تنظيم داعش ، فإن عدد العمليات التي نفذها التنظيم في إفريقيا خلال الفترة الممتدة من 14 إلى 21 يناير: 28 عملية في نيجيريا ،تدمير 26 آلية عسكرية والاستيلاء على 7 أخريات، القتلى والمصابين 90 . أما في النيجر : تنفيذ عمليتين وتدمير آليتين عسكريتين والاستيلاء على 4 أخريات . والقتلى والجرحى 23 .
إذا كان تنظيم داعش يتمدد في منطقة الساحل ووسط إفريقيا (كينيا ، موزمبيق ، إفريقيا الوسطى ، الكونغو، نيجيريا.. ) ، فإن حركة الشباب الصومالية بلغت من القوة ما جعلها تتصرف في الصومال وكينيا كما لو أنها دولة تفرض نظامها وتنوع مصادر التمويل ، ومنها فرض زكاة الأنعام على الكسابين . ففي مقال بعنوان “مانديرا معرضة لسيطرة حركة الشباب المجاهدين”. لعلي روبا محافظ مقاطعة مانديرا نشره موقع “ستاندارد ميديا” الكيني حذر فيه السلطات الكينية وعموم المواطنين :”أعزائي الكينيين، أنا مجبر على كشف الوضع الأمني المتدهور في شمال شرق كينيا، وخاصة مقاطعة مانديرا ، مضيفا ”شعبنا يعيش في خوف بعد عودة مقاتلي حركة الشباب المجاهدين الذين سيطروا على مواقع إستراتيجية في المقاطعة والمنطقة ..فالطرق السريعة في مقاطعة مانديرا تخضع الآن لسيطرة مقاتلي حركة الشباب المجاهدين. لقد باتت حركة الشباب تسيطر على ”أكثر من 50% من مساحة شمال كينيا” حسب روبا. إنه فشل دريع للحكومة الكينية في حماية أراضيها ومواطنيها من خطر الإرهاب . وستزداد شراسة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا مع انسحاب القوات الأمريكية من الصومال وتأجج الصراعات بين دول المنطقة (السودان ، الصومال ، كينيا ، إثيوبيا ).
ينضاف إلى خطر داعش وحركة الشباب خطر تنظيم القاعدة الذي استرجع أنفاسه بولاء جماعة أنصار الإسلام والمسلمين . ففي العددين الأول والسادس من صحيفة "ثبات" ، نشر التنظيم خريطة تواجد عناصره وأنشطتهم في "المغرب الإسلامي" و "غرب إفريقيا" ؛ إذ يلاحظ أن التنظيم متواجد في الدول المغاربية باستثناء المغرب ، بينما يكاد يسيطر على كل المرتفعات الجبلية في الجزائر وتونس ، بحيث حدد التنظيم المناطق التي ينشط فيها كالتالي ( جبل الشعانبي ، جندوبة، تبسة، خنشلة، عنابة، سكيكدة، قسنطينة، باتنا ،جيجل، سطيف، بجاية، تيزي وزو،البويرة، بومرداس، البليدة، المدية، تيباوة، عين الدفلى، غليزان، بلعباس، المسيلة، الجفلة).
وما ينبغي التنبيه إليه هو الاهتمام الكبير الذي يوليه تنظيم القاعدة لما يسميه "المغرب الإسلامي" للاعتبارات التي حددها التنظيم في العدد الأول من صحيفة "ثبات" كالتالي :"إن للمغرب الإسلامي أهمية كبيرة كونها المنفذ إلى أوربا من إسبانيا ،بالإضافة أنها تطل على موانئ البحر المتوسط ، وأيضا طبيعة المناطق الجبلية هناك تساعد المجاهدين على التحرك الآمن".
أمام هذه المخاطر المحدقة التي تجسدها التنظيمات الإرهابية ، وكذا عجز أقوى الجيوش عدة وعتادا عن التصدي لها ( مصر ، نيجيريا ، الجزائر ) ، يحق للشعب المغربي الافتخار بمؤسساته الأمنية والعسكرية التي تتصدى ، بكل حزم ، لكل المخططات الإرهابية التي تستهدف أمنه واستقراره . فخرائط الأنشطة الإرهابية التي تنشرها داعش والقاعدة لا يظهر فيها أي نشاط أو تواجد للعناصر الإرهابية على التراب المغربي. وهذا دليل نجاح المقاربة الأمنية والضربات الاستباقية التي توجهها الأجهزة الأمنية للعناصر الإرهابية فتمنعها من اتخاذ الجبال أوكارا ومعاقل وقواعد خلفية لتنفيذ الهجمات الإرهابية .