السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

العيطة المرساوية...أسباب الانتشار والتميز عن باقي أنماط لعيوط المغربية (1)

العيطة المرساوية...أسباب الانتشار والتميز عن باقي أنماط لعيوط المغربية (1) مشهد لحفل فني شعبي وعبد العالي بلقايد

نزولا عند رغبة عشاق الموروث الثقافي الشعبي على مستوى تراث فن الطرب والإيقاع، بتعدد أنماطه العيطية، قررنا في جريدة "أنفاس بريس" نشر سلسلة من المقالات في هذا الشأن في علاقة مع مفهوم "المشيخة" كموقف تعبيري عن الذات .

مقالات قامت بصياغة مضمونها مجموعة البحث بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد، انطلاقا من قاعدة أن "العيطة لا تشير إلى الواحد، بل هي متعددة بتعدد صيغ القول والغناء التي تتعدد بتعدد صيغ القول والأداء، التي تتعدد وتتنوع بتنوع أمكنة القول والطرب".

في الحلقة الأولى من هذه السلسلة نقدم لقراء الجريدة ورقة اخترنا لها عنوان: "العيطة المرساوية...أسباب الانتشار والتميز عن باقي أنماط لعيوط المغربية "

 

من المعلوم أن شيوخ العيطة الحوزية قد أجادوا غناء العيطة المرساوية مثل عيطة "دامي"، حيث نغتنم هذه الفرصة لإبداء الملاحظات التالية حول هذا اللون العيطي كمساهمة بسيطة منا في معالجته الفنية:

العيطة المرساوية، هي العيطة الوحيدة التي استطاعت أن تنتشر خارج حدود نشأتها، وبالتالي توطنت مدينة وادي زم، فطبعها شيوخ هذه المنطقة ببعض الطبائع الوادزمية، (نسبة لمدينة واد زم) وانتقلت إلى مدينة بني ملال، واخترقت الحوز حيث غنى شيوخ الحوز الكثير من العيوط المرساوية وبالأخص عيطة "دامي" التي تؤدى من طرفهم، مع حيازة الشيخ بوجمعة المخلوفي، إمكانية أداء جل العيوط المرساوية، هو والكثير من شيوخ الجيل الجديد.

العيطة المرساوية، حازت طبائع السلاسة اللغوية، والقدرة على التعبير عن أحاسيس إنسانية غاية في الرقة واللين، ما جعل وقعها على القلب يكون جميلا، كما أن إيقاعاتها إيقاعات ممتدة، شأن مجالها الذي طرأت عليه الكثير من التحولات جراء حصول الإتصال بالآخر الذي وطن شكلا من العمران والعمارة التي لا تتكلف في الصنعة سواء بالجبص، أو الخشب، أو الفضاء.

العيطة المرساوية، وروادها كانوا السباقين، إلى أندية الترفيه، وكذلك وسائل صناعة الفن سواء بدار الإذاعة، أو استديوهات التسجيل... الأمر الذي لم تتمكن منه باقي ألوان العيطة المغربية، التي ظل اتصالها بوسائط الإتصال والإنتشار محدودا، وهو ما اختصت به العيطة المرساوية.

قد لا نجانب الصواب إذا قلنا بأن العيطة المرساوية تحوز الهيمنة على باقي ألوان العيط المغربي، لتميزها عن الحوزي، والحصباوي بالقدرة على خلق تواصل سلس مع المتلقي، بظهور مجموعة شباب قدمها بشكل جميل يساير الأذواق كمجموعة أولاد البوعزوي، ومجموعة نجوم بوركون، وغيرهم.

 

لذلك تبقى العيطة المرساوية أكثر العيوط المغربية التي بإمكانها أن تتواصل مع كافة الأنماط المغربية: سواء البلدي الفيلالي، أو الملحون، أو الحصباوي، أو الحوزي، والزعري..وتبقى الشاوية المجال الفني الذي أنتج الكثير من الألوان الفنية من ساكن، وعيطة، ولون جيلاني، وثنائي، وتوظيف الكثير من الآلات الموسيقية والغيطة في الساكن والعيط، وآلة لوتار لدى الثنائي، والكمان، والآلات النفخية بسائر أنواعها.

 

فقد حازت منطقة الشاوية الكثير من الميزات التي لم تتوفر لكثير من المناطق تتنوع بين الغنى الفني، والإثني، والروحي ما جعلها تكون مبصومة ببصمة العيطة الفيلالية "الحداويات"، التي تعتبر الباب والمنطلق الذي يجب أن تنطلق منه الفرجة كدلالة تيمن بالمقدس، الذي ينسحب على باقي العيط المغربي.

إن العيطة المرساوية تعبير راقي من حيث شفافية معانيها، ورقة الأحاسيس التي تخترقها و تركيب مبناها.

تتفرد العيطة المرساوية، بميزة حلاوة المعنى، و تركيب المبنى، الشيء الذي دفع الكثيرين إلى جعلها توأما لفن الملحون، مع التحجج كذلك بالميزات التالية لإثبات هذا الإدعاء:

- اللباس الذي يرتديه فنانو العيطة المرساوية، لا يكاد يختلف عن ذلك الذي يلبسه فنانو الملحون، والطرب الأندلسي، فهو ارتبط بفئة الفقهاء على الأقل في مرحلة البدايات. (بالنسبة للملحون، والطرب الأندلسي)، وقد تميز بالطربوش الوطني، والجلباب، والبلغة المغربية.

ـ التقسيم الذي يتميز به الملحون من حيث بناء نظمه الغنائي، ثلاثي : (القصيدة، والسرابا، والبروال، أو المايا)، نفس الأمر ينسحب على نظم العيطة فهي كذلك ثلاثة : إما "عيطة" التي تتميز بكونها مركبة ، أي أنها تتميز بـ "حطات" متعددة، أما "السوسا" فهي مجموعة "حبات"، ولكن لا ترقى من حيث البناء لتكون متوفرة على تنوع الحطات. و "البروال" لا يرقى إلى مستوى "السوسا" من حيث الطول، ولكن مع براويل أخرى يشكل تشكيلا فنيا ، صالحا ليكون مادة غنائية طروبة.

وحين نتكلم عن "السوسا" فمن منطلق العيطة الحوزية، فشيوخ العيطة الحوزية مثلا لا يعتبرون "سيدي صالح" عيطة، بل "سوسا" فهي لا ترقى إلى مستوى عيطة لا من حيث التركيب، أو من حيث الكم.

الغناء الشعبي المغربي، ينتمي إلى فضاء ثقافي وفني مغربي، تشكل عبر تفاعل مجموعة من الروافد المغربية منها الأمازيغي، والإفريقي، والعربي والموريسكي، لينتج الكل غناء مغربي متفرد بذاته.