الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد المجيد مومر: لورَنس العرب الجديد.. على من يَلعبُها ماكرون؟ ومع من؟

عبد المجيد مومر: لورَنس العرب الجديد.. على من يَلعبُها ماكرون؟ ومع من؟ عبد المجيد مومر

أضحكَتْني نكتة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حين تحدَّث عن "اللعبة الخطيرة" التي تمارسها تركيا في ليبيا، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التونسي قيس سعيد في العاصمة باريس. حيث لم أتَمالَك قَهْقَهاتي وأنا أتابع مُزحات العرض المسرحي للسيد ماكرون عن مستجدات الوضع الليبي، خصوصا حين قال إن من مصلحة الجميع وقف الحرب في ليبيا، ووقف التدخلات الخارجية في ليبيا.

 

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن السيد ماكرون أبدع في تَمثيلِه الفرجوي وكاد يُنْسينِي متناقضاتِ لَعِبهِ المُفرط على الحبلين، حين كان الرئيس الفرنسي يساند غزوة المشين حفتر في الخفاء ويظهر تشبُّتَه بشرعية حكومة السراج في العلن. فلا تستغربوا إن خرجت كبريات الصحف والمواقع الإخبارية الخليجية والمصرية بالمانْشيط العريض صدَّاحةً مدَّاحةً واصفةً إيمانويل ماكرون بالقومي العروبي القُحِّ المُتَيم بحرف الضاد، وذلك نكايةً في العثماني طيب رجب أردوغان وهيلمانِه العسكري في ليبيا.

 

لذا فلا بد من إيضاح قواعد اللعبة الفرنسية المُستَطيرة في ليبيا ومطالعة دفتر حُمولاتها الحقيقية؛ حيث نجد أم مصالحها تتلخص في مقدرات ليبيا الغنية بالنفط والغاز. فها هو لعاب السيد ماكرون يسيل أمام صفقات الغنائم السائلة والمتبخِّرَة، بل يدوخ عقلُه عن كيفية الحصول والتَّحَصل على نصيب فرنسا منها.

 

ورغم أنه يتظاهر بدعمه للجهود الأممية من أجل الوصول إلى حل سياسي بين الأطراف الليبية، إلاَّ أن الرئيس الفرنسي سرعان ما يُظْهِرُ غُرَّة تلاعبات الديبلوماسية الفرنسية. حيث كانت من الدول المساندة للغزْوَة الخاسِرة التي قادها المشين حفتر، والذي منحَتهُ إحدى الجرائد الفرنسية لقب "السياسي الشجاع" رغم تورطه في جرائم حرب همجيَّة في حق الشعب الليبي.

 

حقًّا.. إن لعبة الرئيس الفرنسي المُستَطِيرة عنيفة ومُشَوِّقَة وجد مثيرة. فهو كان مع حفتر وضدَّه، وضِدَّ السراج ومعه. بل هو قد يكون مع اتفاق الصخيرات ويدعم إعلان القاهرة، غير أن مغامرات لعبة ماكرون لا تستطيع منافسة عروض مسلسل "قيامة أرطغل" الذي بات يتصدر المشهد الليبي ويحظى بنسب عالية من المتابعة العربية والإسلامية.

 

فهل أيقَنتُم مثلي أن لعبةَ فرنسا مُستَطيرةٌ؟ إن كان الجواب لا، فتابعوا قراءة المقال !

 

ولأن الرئيس الفرنسي كان مرفوقا في عرضه الكوميدي بالرئيس التونسي قيس السعيد، فإني سأطالب باستدعاء الشاهد من تونس الخضراء. لا.. لا أقصد رئيس الحكومة التونسية السابق، بل أعني بالطلب كل شاهِدٍ عايَنَ ذاك الفَيْلَق الفرنسي الذي سبقَ ضبطُه وبحوزته أسلحة وذخائر، لمَّا دخل إلى تونس عبر حدودها الشرقية على متن سيارات رباعية الدفع تحت غطاء ديبلوماسي مكثف. وحين أُثيرت الشبهات حول تورط الفيلق في تنسيق عسكري مع المشين حفتر، أنكرت باريس التهمة وقدَّمت روايَتها الهلامية التي عَرَّفَت الفيلَقَ بأنهم أفراد فريق الحماية الأمنية للهيأة الديبلوماسية الفرنسية في ليبيا. والله أعلم بخبايا الأمور !

 

نعم ، إنَّها لعبةٌ فرنسية مُستطيرَةٌ، من ثورة المَهْدِ إلى صراع الزَّرْدِ. أَيْ منذ ذكريات فبراير 2011 حين ثارت ثائرة الليبيين ضد الرئيس الراحل معمر القذافي إلى أحداث يونيو 2020 حيث نتابع إرهاصات صراع دموي حول الزردَة الليبية المُعلَّقَة. ولعلَّكم ما زِلْتُم تتَذكرون قصة سلف ماكرون السابق في الرئاسة الفرنسية أقصد نيكولا ساركوزي الذي يُشاعُ عنْهُ أنَّهُ مَوَّلَ حملتَهُ الانتخابية بأموال قَذَّافِيَّة، ثم تحوَّلَ بعدها إلى داعيَّة التدخل العسكري في ليبيا.

 

واليوم، وفي ظل الاندحار الكبير للمشين حفتر، أو بل لأن تركيا المُتَفاهِمَة مع حكومة السراج تهدد بالسيطرة على كامل التراب الليبي وترفض اقتسام الكعكة الليبية وفق شروط ماكرون. سارع الرئيس الفرنسي إلى البحث عن مشير جديد فَلَم يجد غير طويل الباع والذراع عبد الفتاح السيسي، الجِنِرال الحَاذِق والمشهود له بالخبرة والحنكة في توظيف "الجيش المصري" لإشعال الحروب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد وقتل أفراد شعبه. حيث سارع الرئيس الفرنسي إلى دعم إعلان القاهرة الذي كان تمهيدا لوأد اتفاق الصخيرات، وبعدها تمَّت تلاوة بيان حرب بالوكالة تُهدِّد بخَوْضِها مصر في ليبيا وفق قواعد اللعبة الفرنسية المستطيرة وبتمويل عربي إماراتي سعودي .

 

وفي انتظار قرارات الناتو، ستَعتَمِد لعبة ماكرون على فتح جبهة التصويب من جهة مصر. وتضم تشكيلة فريق فرنسا إلى جانب مصر كلاًّ من الإمارات والسعودية، وقد قام ماكرون باختيار الخوادم التي تناسب اللعب. وكمثيلاتها من ألعاب الحرب العنيفة، فإن آخر لاعب أو فريق باقٍ على قيد الحياة سيفوز بغنيمة ليبيا المُنْقَسِمَة.

 

هكذا إذن نَقلْنا إليكم تغطيةً مُستَفِيضَةً حول تصريحات اللاعب إيمانويل ماكرون عميد الفريق الفرنسي الإماراتي السعودي المصري، الذي سيواجه فريق حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج المُتفاهِم وتركيا. وذلك في انتظار التحاق باقي الفرق المؤهلة كروسيا وألمانيا وإيطاليا... وإجراء جميع اللقاءات المؤجلة لمجموعات الموت ضمن تصفيات لعبة جيو-ستراتيجية دموية للغاية.

 

- عبد المجيد مومر الزيراوي، رئيس تيار ولاد الشعب