عتيقة الموساوي اعترف أنه ما عادت العزلة تخيفنا، فقد اعتدنا منذ شهور على التباعد حتى أن الكثيرين وجدوا في العزلة راحة، وما يخيفنا حقا هو استمرار هذا الفيروس التاجي معنا..؟!
في قساوته اشتدت وعرت عن الضعف البشري، مرغت على الأرض عجرفته وكبريائه، وجعلته خنوعا ممتثلا للأوامر والنواهي.. فهل سيرحل أم أن مهمته على الأرض لم تنته بعد..!؟
عبر الشاشة الصغيرة ..أتابع شريط الأحداث الجديدة وما يتركه كورونا من آثار على الشعوب، صور وتعاليق بالجملة وأرقام تذاع على نشرات الأخبار الخاصة.. ما عدت آبه أو أهتم بها كما في البداية.. فالمشاهد باتت تتكرر بشكل مقزز تدعو القرف ؛هكذا الإخبار القاتلة إلفنا قساوتها منذ سنوات عديدة إلى درجة هدر الإحساس الساكن فينا ولم يبق له أثر .!!
إلتفت واستدرت يمينا وشمالا وورائي .. شعرت باختناق .. فتحت باب البيت بحثا عن استنشاق بعض من النسيم العليل؛ واستمتع بلحظة اللقاء بالخارج وبالطبيعة، انسلت من بين النباتات المقابلة لي أشعة الشمس تلقي بخيوطها الذهبية..
وكأن الطبيعة تبعث لي دعوة تؤكد فيها أنها مازالت تفتح ذراعيها لإستقبالنا.. فهل كانت تختبر صبرنا ؟!.. أم أن السماء فعلا استجابت أخيرا لصدق الدعاء والصلاة..
ونداء قرب الاحتفال بالمحبة والإنسانية ..حمدا لله، فالضوء لا زال يشع ويغذي النور الكامن فينا.
نشرة الأخبار التلفزيونية في الداخل ما زالت تحصي أعداد المصابين بالكوفيد 19 وقائمة بأرقام الوفيات.. والمتعافين المحظوظين الذين أمهلهم القدر ومنحهم فرصة إضافية البقاء، رجعوا من بين براثن الموت ليواصلوا الحياة بطقوس جديدة ومغايرة..
من المؤكد، أن الفيروس التاجي لم ينته بعد، وربما مشاهده ستنتج فصولا جديدة كفصول مسرحية متعددة المشاهد.
في زمن كورونا.. لم نعد نبحث عن المسبب لهذا الفيروس؟، أهو طبيعي كما يقول البعض ويزكيه في ذلك أهل الدين بطقوس الصلاة والدعاء للسماء، أم اصطناعي أخرجته مختبرات البيولوجيا كما أخبرتنا التقارير..
غير أن الاتهامات التي وجهت للمتحكمين في خيوط اللعبة العالمية..أشارت بصراحة لطرفي القوة ما بين أقاصي الأرض شرقها ومغربها، وما صراع التنين الصيني الأصفر المتمادي في الانتشار.. مع الكاوبوي الأمريكي صاحب السيجارة الشقراء المعروفة.. إلا تحدى لنا نحن التائهين ما بين واقع التصديق والنكران.. روايات تروى.. وأحداث تتعاقب..و التوزيع والإخراج يحبك من إعلام جارف.. ، لم نعد نهتم لمن له المصلحة اليوم في إيذاء البشر بقدر ما أصبحنا نبحث عن مخرج لأزمتنا.. نحن لم نتعوّد على الخروج من البيت فقط للبحث و إقتناء الأكل والدواء والحاجات الأساسيّة، نحن بحاجة إلى ناس طيبين، إلى أحداث واعدة ، إلى الشعور بالحرّيّة. لحركية تستهوينا، ولم تعد تهمنا نظرية المؤامرة ولا متوحشي الرأسمالية ولا العولمة الحالية ولا من يسرق الفرح فينا.
نظراتنا ثابتة على عين السماء لأجل تبديد المخاوف والتوجه لصنع الأحلام، في عزلتنا.. انتقلنا من واقع فوضويّ وعبثي كنا نعيشه باللامبالاة وفرط الأنانية.. إلى عالم آخر مختلف وربما مدهش ومذهل، اكتشفنا بالعزلة من ذواتنا وصنعنا الأماني لأنفسنا ولغيرنا، في اتجاه التهيئة للغد الأفضل.. لبيت عالمي أكبر وأوسع من بيتنا الصغير زمن الحجر الصحي.
عتيقة الموساوي، كاتبة
