الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

الطويليع : وداعا السي عبد الرحمان اليوسفي الوطني الذي كان من طينة الكبار

الطويليع : وداعا السي عبد الرحمان اليوسفي الوطني الذي كان من طينة الكبار نورالدين الطويليع
يوصي الشاعر الكبير المرحوم محمود؛ الإنسان قائلا: "مت وأنت تحاول أن تكون إنسانا"، ويبدو أن هذا كان مسار المناضل الذي لم يغير ولم يبدل، ولم يحد عن سكة الإنسان حتى لقي ربه، المناضل المتفرد سي عبد الرحمان الذي كان إنسانا تجري في عروقه دماء الغيرة الوطنية قبل أن يقود قطار الحكومة، وازداد، وهو يضطلع بمهمة إنقاذ البلد من السكتة القلبية رسوخا وثباتا على مبادئه، قبل أن يترك القطار بما حمل، ويتوارى إلى الخلف، في اعتزال شريف لا يأتيه إلا الكبار من طينته.
تلقى سي عبد الرحمان، وهو يقود الحكومة، الكثير من الضربات، وصوبت نحوه مدفعية التكفير السياسي وغير السياسي، ورغم ذلك لم نره يوما خارجا عن نطاقه، لم يستهزئ بأحد، ولم يستعن بمفردات "الزنقة" لتسفيه خصومه.
ظل كبيرا سامقا، وترك الصغار ينطون في ماء مكرهم الآسن، واكتفى بإحالتهم على الزمن الذي تكفل بإظهار قزميتهم، وأظهر قدر الرجل الكبير، وكشف رفعة ذاته ومعدنه الأصيل، فبدا البون شاسعا والفرق كبيرا والهوة ساحقة بينه وبينهم، ذهب هؤلاء كما يذهب الزبد جفاء، وبقي الأصيل كجلمود صخر ماكثا في الأرض.
لم تصدر عن الرجل كلمات التشنج والانفعال، لم يستعن بمعجم ما تحت الحزام، لم نره مقهقها ببشاعة، لم يسع وراء مراكمة الثروة، لم يستجد تقاعدا ريعيا، لأن نفسه الأبية الغنية بقناعتها وقناعاتها لم تسمح له أن يمرغها في التراب.
حينما اختلط الحابل بالنابل انصرف الرجل راشدا، وأغلق كتاب السياسة بإحكام ليعيش بقية العمر في ظل ظليل، دون أن تراوده فكرة القفز على الحواجز، ودون أن تحدثه نفسه بحكاية "لاعب أو لا نحرمها" كما يفعل الصغار والهواة.
نسأل الله العلي القدير أن يتغمد الرجل بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح الجنان، وأن يلهم أهله وذويه جميل الصبر والسلوان.
نورالدين الطويليع، الفاعل الإعلامي