السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

إدريس المغلشي: حين يأسرني القلق، أقول ماذا بعد؟

إدريس المغلشي: حين يأسرني القلق، أقول ماذا بعد؟ إدريس المغلشي

حين تطرح السؤال لتعبر عن حالة قلق تنتابك، تجدد النظر نحو المستقبل لكي لا تعتقلك الوضعيات بكل تفاصيلها وهي تباعد بين المنطلقات والنهاية، فأنت تفكر دائما في النتائج، فتجد نفسك لاتقف لها على مؤشرات التقييم ولا على شروط البداية.

 

لا داعي للقلق مرة أخرى...!

فهناك من هو مستعد لتبنياها وتثمينها دون تدقيق ولا تمحيص أو افتحاص، وفوق كل هذا سيقدم قبلة مستعطفة وضيعة على صفحة يد الفاسد دون أن ينتظر منه شكرا. ما عطل سفينتنا على الإقلاع سوى مجموعة من السراق الفاسدين وشلة من الانتهازيين المتواطئين، ونحن نتفرج ونؤدي ثمن الصمت، فتطول الآمال دون أن نقف لها على حدود أو نرسم لها المسارات .

 

هل قدرنا أن ننتظر أجوبة فتأتي هي الأخرى بليدة يلفها غموض أكثر مما كنا نتوقع لتعيدنا لوضعية انطلاق أشد التباس، فنعاود طرح الأسئلة من جديد، وهكذا دواليك سلسلة غير متناهية من الاستفهامات وحلقة مفرغة من العذاب.

 

القلق هو استمرارية طرح السؤال في وضعية عدم الارتياح واللاستقرار. للحد من البحث في مساره، فكأنما يبحث عن الحل السهل لكي يبقى فقط مفعولا به ،متلقيا لا فاعلا،  يكتفي بسرد أفعال غيره التي لم تكن صادرة منه أصلا، وهي إشارة واضحة لنهاية حياة كثيرا ما كانت تدفعني شخصيا لأنظر للمسار في درب الكتابة، وأستفسر.

 

إلى أين أنت ذاهب، أما حان الوقت لقلمك كي يستريح ولتضعه جانبا؟

فتجد نفسك أمام معادلة حتمية وواضحة تحسم هذا التردد الأزلي والمتقطع: أن الكتابة نبض الحياة، والرهان والتحدي أن ترفع الإيقاع وأن تستمد بقاءك من طول نفس.

 

ماذا بقي بعدما عرت كورونا كل إشكالاتنا البنيوية التي تستر عليها البعض بنوع من النفي والتطاول ودلس عليها من أجل تأجيل الأزمة؟

ألم يفضح هذا الوباء أولوياتنا المتضاربة وأن القطاعات الاجتماعية الأساسية ركيزة كل نهضة، كان البعض إلى عهد قريب يشكك فيها وينسفها نسفا وقد أدخلها للصولد والتعاقد كنوع من التسليع والتحقير دون الالتفات إليها؟

من كان يصم آذانه عن المطالب المشروعة وحقوق أصحاب البدلات البيضاء أساتذة وأطباء على حد سواء، والتي تلطخت بدم مسفوك على أرصفة الشوارع بهراوات القمع، وقد بطشت بهم يد من حديد لا تعرف رحمة ولا شفقة؟ الجائحة كالت لمخططاتكم كثير من الصفعات تلو الأخرى وهي تعيد ترتيب أولوياتكم وتصحح باللون الأحمر ترهاتكم، وتقول إن نهضة الشعوب لا تقف إلا على ركيزتين: التعليم والصحة. الذين هللوا للطاقات المهاجرة، والتي برزت هنا وهناك، حيث سارع إعلامنا المتخلف ليحقق السبق فيها  بعدما راجت أشرطتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فعلا ينتابك شعور لامحدود وأنت تعتز بالانتماء، لكن تحاصرك أسئلة مقلقة مرة أخرى من قبيل: لماذا لا يستفيد الوطن من أبنائه؟

 

لماذا تهاجر الطاقات كما هي خيرات بلادي فلا ننتفع منها؟

سؤال منهجي لا يمكن أن تطرحه دون أن تقف على مسار مرحلة قابلة للتقييم من أجل الوقوف على ما تم وهل فعلا الأهداف تحققت؟

لن تستطيع الانطلاق نحو المستقبل دون أن تعرف ماذا وقع؟ وما هي العقلية التي تحكم التدبير من قبل؟ وكيف ينظر المسؤولون للقطاعات؟ وكيف انقلبنا على أحلام الثورة فأصبحت كوابيس؟

 

سنطرح الأسئلة، ونستمر في طرحها لأننا نعيش قلق المرحلة الذي يعبر عن عدم ارتياح بمؤشرات واضحة لا تحتاج لتوضيح. لسنا مستعدين للبحث عن مكياج من أجل تنميق واقع بئيس، فنحن بكل بساطة لا نجيد التزوير والتدليس. الحياة عبارة عن قلق يومي تحاول جاهدا أن تجد له حلا وجوابا، لا أحد منا يعيش في هذه الدنيا بدون هدف ولا بوصلة، هناك من يعتقد أن وجودنا مقتصر على الأكل والملبس؛ فحين نطرح أسئلة تتجاوز هذا الحد يقول لك:

ماذا تريد؟ عليك أن تحمد الله فهناك أناس لا يجدون قوت يومهم، هم جوعى يقتاتون مما فضل على الناس في المقاهي وأرصفة الشوارع في القمامات. فيدفعك هذا الجواب لخلاصتين، أولاهما أن هناك متسكعون أقل منك دون ذكر هم ضحية من؟ ثانيهما، أننا أحسن بكثير من الباقي وهذا لوحده يكفي. لاستفسار آخر هل تستبد بك حرقة السؤال، فلا تدع لك مجالا للتحرك مهما حاولت الابتعاد فكل ملامحه تطاردك ولن تخل سبيلك من تحمل مسؤوليتك.

 

قد يتبادر إلى ذهنك عدة مرات أن المسار طويل وشاق وبه مطبات ويراودك فعل التخلي؛ فتبادله بإصرار منقطع النظير، لأنك لا ترضى عن الكرامة بديلا. فهي مسألة حياة أو موت.