الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

الدكتور عبد الوهاب تدمري: جائحة كورونا بين المناعة الذاتية والدائرة المغلقة لتفشي العدوى

الدكتور عبد الوهاب تدمري: جائحة  كورونا بين المناعة الذاتية والدائرة المغلقة لتفشي العدوى د.عبد الوهاب تدمري
 
عندما يصرح المسؤول عن اللجنة المكلفة بمتابعة تطور جائحة كورونا بايطاليا بأن عدد الإصابات الحقيقية في بلده يتجاوز بكثير العدد المصرح به رسميا والذي يهم فقط من ثبت لديهم ايجاببة تحليل PCR.
إن هذه الأعداد علينا توقعها بعشرة أضعاف مما هي عليه الآن، إن أضفنا لها أعداد المصابين الغير المحصيين الذين لا يبدون أي أعراض. فان هذا التصريح لم يكن تصريحا عبثيا بل هو تصريح قائم على تحليل علمي للمنحنى التصاعدي لأعداد الإصابات والسرعة الكبيرة لانتشار الوباء الذي يتفاقم بشكل يومي، والذي لا يمكن تفسيره فقط من داخل دائرة أعداد المخالطين للمصابين المعروفين والمحصيين. بل يتعداه ليطال شرائح واسعة من المجتمع الحاملة للفيروس الواقعة خارج نطاق الإحصاء ،والتي لم تقم بالتحاليل المخبرية الضرورية للتأكد من إصابتها أو من عدمه .
إما لكونها لا تظهر أي علامات مرضية تدفعها لاجراء الفحوصات التشخيصية ،أو لكون الأعراض التي تبديها في غالبيتها خفيفة تتشابه مع أعراض الأنفلونزا الموسمية .
إن هذا التقدير المضاعف بعشرة مرات لعدد الإصابات عن ما هو معروف ومثبت من خلال التحاليل المخبرية، الذي يجمع عليه الكثير من المحللين والمهتمين بتطور الوباء، يفسر إلى حد ما أسباب الارتفاع السريع في أعداد الإصابات التي تتعدى نطاق المخالطين، وهو ما يدفعنا كذلك لفهم طبيعة وسلوك هذا الفيروس حتى نتخذ ما يلزم من الاجراءات المناسبة لمحاصرته.
ومن الاستنتاجات الأولى لهذا التطور السريع لأعداد الإصابات، الذي لا يمكن حصره فقط في الاختلاط المباشر بالمصابين بفيروس كوفيد19، هي ان العدوى تنتقل بشكل أساسي من الأعداد الكبيرة للمصابين الغير المعروفين الذين يبدون أما أعراضا خفيفة أو لا يبدونها أصلا . كما أن هذه العدوى السريعة الانتشار يمكن إيعازها كذلك لأسباب إضافية قد تكون مساعدة في عملية انتشاره السريع.
وفي هذا السياق يمكن وضع الفترة الشتائية التي ظهر فيها الوباء موضع المسائلة: هل هي فقط صدفة؟ أم لأن هذه الفترة من السنة تحمل خصوصيات معينة مساعدة لفيروس كوفيد 19؟
و في هذه الحالة ربما يكون الطقس والهواء إحدى هذه الأسباب المساعدة لانتشاره، كون كوفيد 19 مثله مثل الكثير من الفيروسات يمكن أن يتواجد في هواء الأماكن المغلقة التي يتواجد فيها المصاب، كما يمكن أن يتواجد في الهواء الطلق بكثافة وعدوانية متفاوتة مرتبطة ببرودة الطقس وانخفاض نسبة الرطوبة نتيجة امتصاص الهواء البارد نسبة كبيرة منها .
وهو ما يقلص من حجم particules الجسيمات الحاملة للفيروس وبالتالي يمكنها من الحركة والاستمرار لوقت أطول في الهواء. عند ذالك تصبح نسبة الرطوبة المتبقية كافية لإبقائه في حالة سبات لأطول مدة في الجو ، في انتظار الجسم الملائم لاحتضانه. ولنا في فيروسات الانفلووانزا الموسمية بأنواعها عبرة لفهم علاقة الجو البارد وتدني نسبة الرطوبة في الهواء بارتفاع نسبة الإصابات بها، بالتالي فان نسبة الطقس البارد وتدني نسبة الرطوبة في الهواء يمكن أن تشكل سببا آخر يفسر ربما هذا الانتشار السريع لفيروس كورونا 19 من خارج أعداد المصابين المعروفين ومخالطيهم .
ويفسر إلى حد ما تلك الأعداد الكبيرة من المصابين غير المحصيين. وهو ما يمكن أن ينضاف إلى السبب المتعلق بالاختلاط والاتصال المباشر بالمريض حامل الفيروس .وبهذا الشكل تكون مسألة تسارع انتشار العدوى قد دخلت مرحلة الدائرة المغلقة : من حيوان -إنسان.إلى إنسان - هواء/رذاذ - إنسان.
كما أنه ومن خلال التجربة والإحصائيات التي تبين أن الاختلاط بالمصاب لا يعني حتما الإصابة بالفيروس حسب المعطيات المخبرية السلبية للكثير من المخالطين ، وكذا عدم ظهور أعراض أو فقط أعراضا خفيفة لدى الغالبية العظمى للمصابين، يدفعنا إلى القول بان المناعة الذاتية التي تختلف من شخص لأخر حسب الحالة الصحية لكل إنسان هي من تخفي الأعداد الحقيقية للمصابين من جهة وهي من تلعب دورا حاسما في مقاومة الفيروس والتخفيف من حدة الأعراض التي يظهرها المصابون من جهة أخرى .
وذلك كما تؤكده احصائيات تفاوت حدة الإصابات من الخفيفة بنسبة 85% والتي تتعافى تلقائيا، إلى المتوسطة والحادة التي تتطلب علاجا طبيا بالأدوية كالكوروكين والازيترومسين وهي تشكل حولي 15%.وأقل من 5% فقط من المصابين يحتاجون لوضعهم تحت جهاز التنفس الاصطناعي .
إن هذا التفاوت في نسب حدة الأعراض التي يظهرها المصابون بفيروس كوفيد 19 تتأثر إذن سلبا أو إيجابا بمدى قوة جهاز المناعة لدى كل إنسان .وبه كذلك يستقيم تفسير الأعداد الكبيرة من الناس الحاملين للفيروس الغير المعروفين الذين لا يبدون أي أعراض رغم كونهم ناقلين للعدوى، وهم يشكلون حوالي 50 % من الأعداد الإجمالية الحقيقية وفق ما تؤكده الكثير من التصريحات الرسمية للكثير من المسؤولين عن تتبع انتشار الوباء في أوروبا والعالم.
إذا أضفنا إذن هذه الأعداد الكبيرة من المصابين الناقلين للعدوى، الغير المحصيين الذين ليس لديهم اي علم مسبق بإصابتهم، فان أعداد المصابين الحقيقيين قد يكون على اقل تقدير عشرة أضعاف ما هو مصرح به عبر العالم ، وهو ما ينسجم مع ما طرحه المسؤول الايطالي في شأن الأرقام الحقيقية لتفشي الوباء في بلده.وبالتالي فالإعداد الحقيقية للمصابين عبر العالم قد يصل إلى حوالي 7150000 مصاب بدل 71500 المعلنة لحدود يوم الاثنين 30 مارس2020 . وهو ما يجعل نسبة الوفيات في حدود 0,4% بدل 4% ، اي ضعف نسبة الوفيات التي تحدثها الانفلوانزا الموسمية.وأن نسبة الوفيات المعلنة في العالم حاليا التي تراوح 4% تهم فقط أعداد المصابون الذين ثبتت إصابتهم بفيروس كوفيد 19 ،وأن هذه النسبة لا تمثل حقيقة أعدادا الساكنة المصابة عبر العالم المعروفة والغير المعروفة.
ان هذه القراءة في الأرقام وفي طرق انتقال الفيروس ، وفي عدم ظهور الأعراض بنفس الحدة لدى المصابين وكذا عدم تعرض بعض المخالطين للإصابة علاقة بما يبديه الجسم من مقاومة لفيروس كوفيد 19. لم اقصد بها التهويل ولا التقليل من مخاطر وتداعيات هذا الوباء . بل القصد منها هو التطمين.
لان الخوف الجماعي المبالغ فيه المصاحب لهذا الوباء قد يضعف مناعة الجسم لدى الإنسان ،الضرورية لمقاومة الفيروس ، هذا في الوقت الذي تؤدي فيه هذه المناعة، رغم عدم إيلاءها ما تستحق من التحلبل العلمي لحد الساعة لكون العالم لازال تحت وقع الصدمة ، دورا مهما في التخفيف من حدة هذه الإصابات، او حتى عدم التعرض لها رغم احتلاط البعض منهم بالمصابين وهو ما نستنتجه من التحليلات السلبية للكثير منهم .
وبالتالي يجب التعاطي مع هذا الوباء بما يستحق من مسؤولية وذلك باحترام الإجراءات الاحترازية والوقائية كتهوية الأماكن المغلقة واستعمال الكمامات والحجر المنزلي ونظافة الأيدي وتفادي الاختلاط ليس فقط بمن هم ضمن لوائح المصابين الرسميين بل كذلك تفاديا للاختلاط بحاملي كوفيد 19 الغير المعروفين والغير المشخصين. لكن فقط دون أن يتحول هذا الوباء إلى كابوس نفسي وهاجسا يوميا ينقص من مناعتنا ويشل قدرتنا على التفكير.
كما إن قراءتنا للأرقام وتزايد أعداد الإصابات سواء وطنيا أو دوليا ليس هدفه التخويف بل نبتغي منه خلق حالة اطمئنان لدى المجتمع خاصة إذا ما اعتبرنا ان عدد الوفيات جراء هذا الوباء لحد الساعة علاقة بإعداد الإصابات الحقيقية عبر العالم لا يعدو أن يكون ضعف أعداد الوفيات التي تحدثها الانفلوانزا الموسمية.
وقولي هذا كذلك ليس من باب التقليل من خطورة الوباء ومن تداعياته سواء على الصحة العامة أو على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية، بل فقط من اجل التطمين ومن اجل دعوة المواطنين والمواطنات إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية لكي نكسر حلقات سلسلة انتشاره لكن كذلك دون المبالغة في الخوف من الوباء نظرا لما يمكن أن ينتج عن هذه الإحساس بالإضافة إلى وضعية الطوارئ الصحية من تداعيات على الصحية النفسية كالقلق والكآبة التي تضر لا محالة بمقومات المناعة لجسم الإنسان، هذا في الوقت الذي تشكل فيه هذه الأخيرة صمام الأمان الأول في مواجهة كوفيد 19 وذلك وفق ما تبينه الأعداد الكبيرة للمصابين التي لا تبدي أي أعراض أو فقط أعراضا خفيفة و التي تتجاوز في مجموعها نسبة 80% من المصابين ، هذا دون إغفال دور هذه المناعة في عدم إصابة نسبة مهمة من المخالطين وبموجبها كذلك سيتوحل هذا الوباء مع مرور الوقت من جائحة pandémie إلى متوطن عاديendemie.