الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الصديقي: فصل المقال في ما بين قبول ورفض تأجيل العطلة الربيعية من اتصال

محمد الصديقي: فصل المقال في ما بين قبول ورفض تأجيل العطلة الربيعية من اتصال محمد الصديقي

العطلة، هي فترة استراحة من إلزامية المهام ارتباطا بالزمن الإداري، وليست بالضرورة تركَ المهام مطلقا. هي تخفيف عبء العمل وليس تركه نهائيا. هي تأجيل التزامات لفترة زمنية، وليس إسقاطها، وأحيانا تكون العطلة سببا في تراكم المهام أو تزايدها.

 

العطلة حق من حقوق الإنسان تضَمَّنَه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 24)، وتلتزم بع غالبية الأنظمة الأساسية للوظيفة العمومية.

 

العطلة في القانون موجَّهة للمتعلمين وليس للموظفين. بمعنى أنها استراحة للمتعلم، ويمكن للإدارة أن تستدعي الموظف خارج العطلة السنوية لإنجاز مهام تتلاءم واختصاصه في أو وقت وحين.

 

بناء على ذلك، فإعلان تأجيل العطلة لا يعني الموظفين في شيء. بل هو موجه إلى المتعلمين، والأوْلى أن يتحدث في الموضوع آباؤهم وأولياؤهم.

 

هنا حددنا المعني المباشر بالبلاغ، ويهمنا أن نتساءل، لمناقشة ذلك، عن الأثر الناتج عن هذا القرار، سواء في مستوى التعلمات، أم في مستوى الوضع الصحي والنفسي للمتعلمين. وفي ظني، فالتأجيل أو عدمه لا يؤثر لا سلبا ولا إيجابا في شيء، اللهم ما يفيد التزام الآباء بمتابعة أبنائهم ومساعدتهم أثناء تتبع دروس التعليم عن بعد، وهنا يكون الآباء مَنْ في حاجة إلى عطلة وليس الأبناء، لأن المتعلم، رغم العطلة، لا ينبغي أن ينقطع بشكل نهائي عن التعلم، والتعلم عن بعد يساهم في إمكان تنظيم حصص التعلم حسب متوفرات المتعلم والولي معا على الأقل، وهو ما لا يتوفر عادة في التعلم الحضوري. وهذا طبعا لا يعني انتصارا كليا لهذا النمط من التعلم، ولكنه لا يخلو عموما من إيجابية.

 

توقيت الإعلان، لا معنى له لا عند المعلِم، ولا عند المتلقي المقصود به، مادام هذا الأخير، أصلا، محجوزا في بيته، ولا يمكن له أن يضع خططا خارج البيت إلا بما يتناسب وظرفية الحجر الصحي؛ فلا سفر، ولا رحلة، ولا ترفيه خارجيا...، فالأحسن أن نوفر العطلة إلى حين التحرر من الحجر الصحي، حينها على الأقل سيكون لها معنى.

 

أن يحتج الموظف على تأجيل العطلة، هذا يعني أنه لا يعي جيدا أنه غير معني، وإلا لماذا يقبل باجتياز مباريات الترقية المهنية في العطل البينية؟ لاشك أن الجواب واضح، فمباريات الترقية لها أثر مادي يغري أكثر من العطلة "والراحة".

 

رجاءً، لنكن واضحين، ومنسجمين في مواقفنا، فلا يعنينا بالضرورة مصدر البلاغ قبل مضمونه، ومدى انسجامه مع القوانين التي قبلناها أو صمتنا اتجاهها حين صدورها. لم نسجل أدنى تحفظ، أو قراءة اجتماعية لها في شموليتها. والرفض من أجل الرفض لكل شيء لمجرد أنه صادر عن الوزارة وسلطة القرار، لن يزيد ساحة الممانعة، وساحة الرأي العام، إلا تمييعا وعدمية.

 

الوعي القائم غير قائم، والوعي الممكن شقي وعصي. لا بد من إعادة النظر في وعينا الفردي والجماعي قبل إنتاج الأحكام، سواء من الدولة أو غيرها.. وهنا أود التساؤل حول أهمية إصدار البلاغ أصلا عن تأجيل العطلة أو عدمه في ظل الوضعية الراهنة: ما مدى تأثيره على سيرورة التعلمات من عدمها؟ ما مدى تأثيره على اكتساب التعلمات مادام لم ينجز أي تقويم يكشف بنجاعة صدقية وفعالية التعليم عن بعد؟

 

إصدار بلاغ التأجيل، إن كان من باب الروتين الإداري فهو ينم عن غباء ذكي؛ صدفة غبية أتت أكلها بذكاء غير مقصود للإدارة، وإن كان مقصودا فهو ينم عن ذكاء غبي مفاده إلهاء المجتمع التعليمي بتفصيلة جزئية وصرفه عن القضايا الهامة من قبيل: ما نجاعة تحصيل المهارات والكفايات التعليمية في غياب أداة ناجعة لتقويمها؟ ما مدى قيمة التعلم الذي يحصل للمتعلمين ونسبة المتحصِّلين منهم في ظل صعوبة تعميم وسائل التلقي المعلوماتي؟ لماذا لم تعلن الوزارة لحد الساعة عن عدد الدروس المقدمة؟ وعدد المتعلمين المتابعين للدروس؟... وغيرها من الأسئلة التي تخفي حجم القضايا الأساس المرتبطة فعلا بمصلحة المتعلمين.

 

ما يقدم حاليا هو إبراز للمجهود الذي تقدمه الإدارة من أجل إنجاز دروس رقمية، مصحوب بدعاية تلتمس من المتعلمين المكوث في البيوت والاستفادة مما يُقدم تحت شعار "الدولة دارت شغلها"، بينما الرافضون يجتهدون لتبخيس هذا المجهود، واستجماع مقاطع صوتية، وفيديوهات تقر بفشل المجهود وعدم قيمته، وكلاهما لا يبين البديل المطلوب، ولا تشخيصا فعليا لواقع التعلم.

 

الوزارة تسعى لتحميل الأسرة المسؤولية، والأسرة بتعدد التزاماتها تسعى لتحميل الوزارة وإداراتها المسؤولية، وكلاهما في نهاية المطاف ينضبط لإكراهات الواقع المرير.

 

وحقيقة الأمر أن العطلة تأجلت في البلاغ، لكنها في الواقع وبالنسبة للعديد فهي سارية المفعول منذ 16 مارس 2020 وستمتد إلى زمن مغرب جديد ينتهي فيه بلاء الوباء، ووباء الغباء.

 

- محمد الصديقي، فاعل تربوي