الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عبد اللطيف برادة: من أجل ترسيخ مبادئ الوسطية في المجتمع

عبد اللطيف برادة: من أجل ترسيخ مبادئ الوسطية في المجتمع عبد اللطيف برادة
مما لا شك فيه أن مجتمعاتنا أضحت تعاني هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى مِن انتشار موجات التطرّف الدّيني.
وقد تختلف موجات التطرّف هذه في حدّتها وآثارها مِن مجتمع إلى أخر كما أنها قد تتّخذ مظاهرَ متعدّدة. وفي كلّ الأحوال قد يمثل التطرّف الديني ظاهرة تؤثّر سلباً على السّلم الأهلي والعيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد مما يهدد الاستقرار والازدهار لهدا المجتمع.
فالتطرّف الديني كما اجمع على ذلك أكثرية الباحثين هو واحدة من تلك الظواهر الاجتماعية التي يصعب توصيفها وتحديد أسبابها دلك لأنّه يرتبط بالدين وبالدور الذي يلعبه الدين بشكل متنامٍ في المجتمع الإسلامي وبآثاره الواضحة على الفرد وعلى المجتمع في آن واحد.
وفي الحقيقة فادا أردنا الأخذ بالأسباب علينا أن نركز على العوامل التي تؤدي إلى تنامي ظاهرة التطرف الديني وانتشاره في المجتمع. ولعلّ أهمّها الأفكار المسبقة التي يتبنّاها الفرد تجاه الآخر ومعتقداته الدينية.
وهكذا يتطوّر لدينا هذا الموقف المتشدد بسب الانغلاق على الذات الذي يدفعنا إلى تفسير العالم من زاوية أحادية الجانب والى سوء فهم الآخر والانعزال عنه لتصبح لدينا عن الآخر صُوَرًا نمطية مغلوطة تترسّخ في النفوس وتتجلّى في خطاب ديني إعلامي محرّض ينقصه الاتزان والموضوعية.
ولقد ساهمت في هذه الظاهرة المرضية كذلك وسائل إعلام ولو بطريقة غير مباشرة بعدما تخلّت عن القيام بواجبها في نشر الوعي الديني والمجتمعي وفي ترسيخ ثقافة الحوار والسلام وقبول الآخر، فوسائل الإعلام كما هو معلوم سلاح ذو حدّين: بمعنى أنّه يمكن استخدامها على نحو سلبي يعيق الحوار الديني ويغذّي ويدعّم ألتطرف أو يمكن توظيفها للحدّ مِن الآثار السلبية لظاهرة التطرف في المجتمع وزرع بذور التعايش والتقارب والتآخي بين الجميع.
وبما أن الأسباب التي تؤدّي إلى نموّ ظاهرة التطرّف تبدو متشعبة، فقد تتنوّع لنفس السبب وجهات النظر في مقاربة الحلول الناجعة من اجل التصحيح والإصلاح.
ولهذا قد يبدو من الأولويات هذا إن رغبنا في أن نتخلص من هذه الآفة أن نبادر بفتح قنوات مباشرة للحوار الديني والثقافي مع الآخر المختلف عنّا لان هذا الحوار حاجة ملحّة لا رفاهية فكرية.
ذلك إننا أصبحنا نعيش في عالم حوّلته وسائل الاتصال والإعلام الاجتماعي الحديثة إلى قرية صغيرة أصبحت معها معرفة هذا الآخر المختلف عنّا قضيّة بديهية لا غنى عنها، حيث أن الآخر المختلف ثقافيّاً أو دينيّاً عنا أصبح يؤثّر في حياتنا جميعاً شانا أم أبينا.
وينبغي أن يكون الحوار فعّالاً أي أن يقوم على أساس تعزيز الوسطيّة التي من شانها توظيف المفاهيم المشتركة بين الأديان في الإطار الإنساني. كما ينبغي أن يكون هذا الحوار صريحًا مفتوحًا يتجاوز ألحواجز ويُخرجنا مِن أسْر النظرة المسبقة والتأثرات بالتاريخ الماضي، فيكون حوارًا يوصل إلى قلوب الآخرين ما في قلوبنا مِن توق إلى صالحهم.
ولهذا يبقى القلب هو نقطة البداية لمقاربة الحل الحقيقي لمشكلة التطرف الديني: فالإنسان ما لم يمتلئ قلبه بالمحبة الخالصة لخالقه ولأخيه الإنسان، لن تتنقّى روحه مِن رواسب الفتنة والتعصّب الديني والحقد الطائفي.
وهكذا على الصعيد ألعملي ينبغي تفعيل الآليات التي تنقل الحوار الديني مِن الشعارات النظرية إلى حيّز التطبيق العملي، فيصبح هذا الحوار واقعًا معاشًا يشعر بها رجل الشارع ويلمسه كلّ مواطن في المجتمع.
ذلك أن ترسيخ قيم التسامح الديني والمواطنة ومناهضة التعصّب والعنف لا يتمّ بمجرّد رفع الشعارات بل بتعميق قيم تلك المفاهيم مِن خلال التعليم منذ الصغر. فتعليم ثقافة الحوار وغرسها في الإنسان منذ نعومة أظفاره يستلزم إعادة تشكيل مناهجنا التعليمية وتنقيتها مِن بعض الظواهر السلبية. كما يجب توظيف التطوّر التكنولوجي، وذلك بالدّعوة إلى الاستفادة مِن مواقع الاتصال الاجتماعي مِن "فيس بوك ويوتيوب وتوتير" كإحدى الطرق الرئيسية والمهمّة في الحوار والتواصل فيما بينهم ومع أبناء المجتمعات الأخرى. وهكذا نرى أنّ عملية التنشئة الاجتماعية السليمة على ثقافة الحوار تتطلّب منظومة متكاملة تؤدّي فيها الأسرة دورها المنوط بها جنبًا إلى جنب مع المدرسة ووسائل الإعلام والإعلام الاجتماعي والمؤسّسة الدينية.
لهذا ينبغي التشديد على تكامل أدوار هذه المؤسسات الاجتماعية التي يجمعها خطاب ديني ينبذ العنف بكلّ أشكاله وينشر الوسطية والاعتدال بما يصبّ في خدمة التواصل والتفاهم لتحقيق الأهداف السامية التي ترفع مِن قدر الإنسان وتصون كرامته، الأمر الذي يحقّق الصالح العام لجميع الناس.