ما حز في نفسي، وأنا أتابع الأخبار الخاصة بغضبة الملك على مشروع تاغزوت، ليس فقط هو خرق مقتضيات قانون التعمير أو تبخر الأموال التي صرفت على البنايات المزروعة بساحل ولاية أكادير، بل ما آلمني أكثـر هو أنه كلما تفجرت فضيحة بالمغرب إلا ونجد صندوق الإيداع والتدبير وراءها.
فهذه المؤسسة يتم تقديمها كأكبر امبراطورية مالية بالمغرب، ويتم تسويق صندوق الإيداع والتدبير بأنه المؤسسة التي تضم «كبار الخبراء» في القانون والمال والاقتصاد ودراسة المخاطر!! لكن على أرض الواقع نجد أن صندوق الإيداع والتدبير هو أكبر ماكينة للفشل وللخيبة، وأكبر ماكينة لتبذير أموال المتقاعدين واليتامى.
هل نسينا تورط «السيديجي» في إشعال أكبر حراك اجتماعي بالمغرب، حينما تفجرت فضيحة بادس بالحسيمة وما تلاها من سقوط رؤوس كبيرة في صندوق الإيداع والتدبير؟
هل تم محو صور الدمار الذي حل بمارينا الدار البيضاء حين تم هدم بنايات مملوكة لـ «السيديجي» وفروعه التي بنيت خارج المساطر، وما تلا ذلك من إهدار المال العام؟
هل تبخرت من ذاكرتنا فضيحة تورط «السيديجي» في أكبر عملية مالية خاسرة تعرض لها المغرب حين اشترى أسهم «كلوب ميد» بحوالي مليار درهم فذهبت مدخرات المغاربة هباء منثورا؟
هل تم محو السماء بـ «ليغا» في فضيحة الاحتيال على بورصة الدار البيضاء لما أدرج «السيديجي» أسهم الشركة العامة العقارية في السوق المالية، والتي انفجرت عقب اكتشاف النفخ المخدوم في معاملات شراء الأسهم بطرق ماكرة لإيهام الناس وصغار المستثمرين أن سهم فرع «السيديجي» مطلوب في البورصة لحلب أموال المدخرين؟
هل نسينا فضيحة صوناداك التي أغرقها «السيديجي» في أوحال مدينة النسيم والمحج الملكي بالبيضاء، ثم انسحب بعد أن ترك للمغاربة إرثا وسخا وثقيلا وصعب التسوية؟
هل نحن في حاجة إلى استحضار البصمة السوداء التي تركها «السيديجي» بمدينة زناتة بعمالة المحمدية وما ميز عملية «مدينة زناتة» من فضائح عقارية ومالية وتعميرية مازالت جراحها لم تندمل بعد؟
هل نحتاج إلى التوقف عند المرور الأسود لصندوق الإيداع والتدبير في مجالس إدارة شركات النقل الحضري والترامواي بالدار البيضاء، وبدل أن يتحول النقل الحضري بالعاصمة الاقتصادية إلى مرفق آدمي أصبح السكان يحشرون في ظروف حاطة بالكرامة الإنسانية؟
دعونا من طرح القائمة السوداء لصندوق الإيداع والتدبير بالمغرب، وتعالوا نطل على التجربة المشرقة لرديفه بفرنسا، صندوق الودائع والأمانات (CDC). فهذا الأخير لا يغامر بأموال المودعين الفرنسيين في مشاريع غير ربحية، بل الأكثر من ذلك، نجد أن العرف الدستوري جرى أن يكون رئيسه هو رئيس لجنة الميزانية بالبرلمان الفرنسي، ليكون البرلمان هو المؤتمن على ودائع الفرنسيين من جهة، ولكون ميزانية صندوق الإيداع الفرنسي تدرج للمناقشة مع القانون المالي للدولة الفرنسية من جهة ثانية. أما عندنا، فإن صندوق الإيداع والتدبير لم يبرز «علو كعبه» في الفشل والقصور أو «تمرغ» مدرائه ومدراء الشركات المتفرعة في الريع والغنائم فحسب، بل يعد امبراطورية مالية غير مراقبة من طرف "ممثلي الشعب المغربي".
ولا عجب من أن نستفيق ونصطدم غدا على وقع فضيحة جديدة يكون بطلها صندوق تدبير الخيبة والفشل!