الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عبد اللطيف برادة: أنا والإعلام الزائف

عبد اللطيف برادة: أنا والإعلام الزائف عبد اللطيف برادة

لم أفهم حتى الآن ما مدى أهمية ونفعية هده النوعية من البرامج التي تساق يوميا عبر الأثير، وخاصة عندما يثم استدعاء ضيوف كمنشطين دائمين ليست لهم أي خلفية في ميدان الإعلام ولا أي خبرة أو أي معيار للتزكية سوى شهادة عليا لا تشفع لهم في ميدان الإعلام الذي يتطلب، أولا وقبل كل شيء، الخبرة والتخصص. ولهذا السبب قد تبدو في معظم الاحيان تدخلاتهم الإذاعية من خلال برامج مفبركة أشبه بأدب البلهاء وشطحات بلاغية، أكثر مما تحاول أن تبدو عليه من تدخلات متزنة ومتوازنة مع الذوق العام ومتطلبات المذياع؛ بل نشعر وكأن المذياع أصبح وسيلة لتصفية من حسابات شخصية مع طرف آخر لا نعلم أصلا من هو، أو لمجرد عرض عطلات الضيف الذي يحاول أن يبرز معرفته المطلقة على حساب توصيل الرسالة المنتظرة منه، فيختزل تدخلاته في استدراك ما حفظه عن ظهر قلب من خلال أطروحته الجامعية.

 

وهكذا قد يبدو لنا الفريق وكأنه وسط حلبة مصارعة، أو كأنه بصدد حرب صليبية ضد جهة معينه يتم تغييبها حتى لا يفضح الآمر.. وتبعا يتصرف أعضاء الفريق كطواحين الهواء، غرضهم فقط الكلام من دون انقطاع والتطرق إلى مواضيع بطريقة لنيل من هم يعتبرونهم أو يضعونهم في خانة الخصم، ومن ثم انتقادهم في كل شيء، حتى ولو كان الأمر يتعلق بالحياة الشخصية، أي الملبس المظهر والشكل... وهكذا يتصرفون كالكلاب الضالة أو الضباع الجائعة، ينهشون كل من يرون فيه صنف من الاختلاف الذي لا يروق لهم وبصرف النظر عن الأخطاء أو الأكاذيب الناجمة عن الإغفال أو الجهل اللذين ينجمان من مثل هده المداخلات. قد نجد أن الصفة والركائز الكامنة وراء تدخلاتهم تنفرد بوصمهم بالخطأ لكل عمل ينتج عمن يعتبرونهم خارج عن معاييرهم الخاصة جدا، ومن ثم نجدهم يرقصون كل ما يزعج نجوميتهم الشبه إعلامية... حيث وفقا لمنطقهم، فهم وحدهم العبارة عن العلامات التجارية المسجلة التي تستحق العرض والبيع، وبالتالي فهي الفئة الوحيدة التي تمتلك الصفات الجيدة للمنتوج الرفيع.

 

وبناء على ذلك فكل شخص يتعامل مثلا مع الشبكات ألاجتماعية الرقمية يجب أن يسقط من الاعتبار على الأقل في النهاية، وينسون أن من خلال هده الشبكات والعلاقات العنكبوتية التي تبدو لهم هجينة فهي التي ستلد الغد المشرق، وأن هؤلاء الدين يقدحون فيهم بالشتم المغلف وينعتونهم بالازدراء هم الذين يقفون إلى جانب الحق، أما هم، أي الدكاترة الذين أضحوا بمنطقهم المزيف وتدخلهم الذي يشبه عجرفة "الأخ الأكبر"؛ خارج السرب يغردون بما يحلو لهم وليس بما يتصف به العقل والعصر، ولذلك فهم كما يبين الواقع مقبلون لا محالة على الاختفاء.

 

ولقد تجدهم بسبب ذلك كله ممن يدعون النجاح المطلق، متناسين بذلك أن لا أحد يستمع إليهم إلا ممن اضطر، حيث أن ذوي الخبرة والوعي الإعلامي الحقيقي لن يفعل إلا عن طريق الصدفة أو حب الاستطلاع فقط! وما الفائدة من ذلك، والكل يفضل الذهاب للبحث عن المعلومة عبر عالم الغد، أي من خلال قنوات وإذاعات دولية متمرسة؟

 

وحتى وإن كانوا في اعتقادهم الخاطئ يعتبرون أنفسهم أبطال الإعلام، ففي نظر من يعلم ويفرز بين الصالح والباطل، فهم في الحقيقة لا يمتلكون ذرة من الكفاءة ولا بصيص من البصيرة التي ستجعلهم يعون بهفواتهم، فيتراجعون عن غيهم وبهتانهم الذي أضحى الآن مفضوحا بشكل فضيع، ذلك أن الإعلام أولا وقبل كل شيء رسالة رفيعة، وعلى هؤلاء أن يرقوا بمستواهم إلى أعلى مما هم عليه، حتى يصبحوا في مستوى رسالة الإعلام التي هي من دون شك لمن يدرك رسالة نبيلة وراقية، في حال إذا ما تمت على أيدي ذوي الخبرة والاختصاص.