الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الرحمان العمراني: وأخيرا خرج الإنجليز من الاتحاد الأوروبي

عبد الرحمان العمراني: وأخيرا خرج الإنجليز من الاتحاد الأوروبي عبد الرحمان العمراني

"في ركن ما من قلب كل بريطاني وبريطانية هناك نزعة بريكسيتية"، هكذا كتب أول أمس السيد تيموثي كارتون آش  Thimothy Garton Ashأستاذ الدراسات الأوروبية المرموق بجامعة أوكسفورد، وهو يشرح ويفسر جو الانشراح العام  reliefالذي بدا على وجوه البريطانيين وهم ينتظرون أن تعلن عقارب الساعة الأسطورية انصرام آخر دقيقة من يوم 31 يناير 2020، تاريخ الخروج الرسمي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد قرابة خمسة عقود من العضوية .

 

خمسة عقود من عضوية لم تكن دائما سلسة ولا خالية من مشاكل متعددة مع الأجهزة والمؤسسات الرسمية لهذا التكتل الاقتصادي والسياسي الأوروبي الكبير. مشاكل كانت قد بدأت منذ صرخت المرأة الحديدية تاتشر في وجه نظرائها الأوروبيين بصوت مدو ذات يوم في نهاية الثمانينيات we want our  money back  نريد إرجاع أموالنا، تعبيرا عن رفضها لحجم قيمة مساهمة بريطانيا في ميزانية الاتحاد، كما حددتها أجهزته التنفيذية في بروكسل.

 

معلوم كذلك أن بريطانيا، حتى وهي عضو كامل العضوية ظلت محتفظة بالباوند pound عملتها القومية ورفضت الانضمام إلى اتفاقية إلغاء الحدود الداخلية الذي أقرته اتفاقية شنغن.

 

السيد بوريس جونسون الذي خاض التشريعيات الأخيرة تحت شعار let Brexit done (لنترك البريكست يتم) وحصل على أغلبية مريحة لم يحصل عليها حزب التوريtory  (المحافظون) منذ فوز تاتشر نهاية السبعينيات الماضية، عرف فعلا فيما ظهر من الاحتفالات العارمة التي شهدتها ساحات لندن وباقي المدن ليلة أمس ما الذي يعتمل حقا في ذلك الركن البريكسيتي من قلوب البريطانيين الذي أشار إليه تيموثي اش أستاذ أوكسفورد. احتفالات ظهرت خلالها لافتات خفاقة مكتوب عليها عبارة يوم الاستقلال  independence  day.

 

واضح كذلك أن كل الحملات الإعلامية والسياسية والشروحات والافكار المبرزة للانعكاسات الكارثية للمغادرة التي روج لها ما صار يعرف في اللغة المتداولة بال remainers (فريق الداعين للبقاء في حظيرة الاتحاد) بما في ذلك رئيس بانك اوف انكلاند السابق وعدد من مدراء حي المال city وتوني بلير واخرون،  فشلت كلها  في زحزحة ما يعتمل في تلك الأركان  البريكسيتية العميقة  من قلوب البريطانيين، والتي توفق جونسون في سبر اغوارها بشكل كبير .

كيف نفسر ذلك؟

مهلا .

لقد زرت لندن بصفة منتظمة أكثر من ثلاثين مرة منذ سنة 1978 تراوحت مددها بين الشهر والاسبوع، ساعد على ذلك وجود أفراد من عائلتي القريبة مقيمة هناك منذ نهاية  الستينيات الماضية. زرت البلد خلال  فترات مختلفة عرفت حكم المحافظين والعماليين وحضرت أربعة مؤتمرات لحزب العمال ممثلا وقتها للاتحاد الاشتراكي. ولا أدعي مع ذلك انني أعرف البلد بشكل كاف. لكن الذي استطيع تأكيده انه بلد استثناءي وعاصمة استثنائية في كل شيء ولا أعرف مختبرا في التعدد الثقافي أو ثقافة التعدد والتسامح أكثر أو أشمل مما يمكن أن تعثر عليه  في لندن، كما لا أعرف بلدا أكثر استجابة لمقتضيات العولمة وضروراتها على مستوى متطلب تحرير المبادلات من بريطانيا، على هذا المستوى ظل البلد امينا لتعاليم الاقتصاديين المؤسسين لليبرالية ريكاردو وادم سميث .

 

وإذن ماذا ما الذي يفسر ما يبدو للعموم نوعا من الانطواء على الذات من خلال اختيار الخروج من الاتحاد الاوروبي؟ 

 

والجواب –أو المجازفة به- يمكن أن أصيغه على ضوء ما فهمت واستوعبت كما يلي :

 

1- الهوية العميقة للبريطانيين مناوئة بطبيعة التركيب التاريخي لبيروقراطية بروكسيل لا فرق في ذلك بين يسار ويمين. وهذا ما عبر عنه كارتون اش في جملته  المركزة أعلاه حينما قال إن البريكسيت موجود في ركن قلب كل بريطاني وبريطانية.

 

2- البريطانيون الذين هم الأقربون أكثر من أي قومية أخرى إلى منطق العولمة ومقتضياتها بحكم سبقهم التاريخي في مجال الدعوة للتبادل الحر وإلغاء الضوابط وكل ما يسمونه هناك بال impediments لا يرون العولمة بنفس النظرة المؤسساتية التي ينظر بها إليها غيرهم من الأوروبيون القاريين. ولذلك ترى الطبقة السياسية هناك تردد بثقة أن البلد قد يفقد قارة، ولكنه قد يربح مواقع قدم في كل القارات عند الخروج من الاتحاد.

 

وللحديث بقية...