الاثنين 13 مايو 2024
مجتمع

فريد قصيدي:الطبيب المختص في أمراض النساء و التوليد يشتغل على "خط الموت"

فريد قصيدي:الطبيب المختص في أمراض النساء و التوليد يشتغل على "خط الموت" الدكتور فريد قصيدي

يؤكد الدكتور فريد قصيدي، الكاتب المحلي للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام بتيزنيت، والطبيب المتخصص في التوليد وطب النساء الموقوف بالمادة 73 من قانون الوظيفة العمومية، في هذا الحوار مع جريدة "أنفاس بريس" إن نظام الخدمة الإلزامية داخل المستشفيات، وخاصة في تخصص التوليد وأمراض النساء، يشكل خطرا على النساء الحوامل وأجنتهن ومواليدهن، وكذا على الطاقم الطبي من الناحية الصحية وحتى الجنائية، وذلك على خلفية الطبيب المعتقل بمدينة العرائش ،المتابع بسبب خطأ طبي، و ملفه شخصيا كطبيب متخصص في التوليد وأمراض النساء بتيزنيت.

لماذا يجب اعتبار تخصص "التوليد و طب النساء" ذا وضع خاص وغاية في الخطورة؟

إن تخصص التوليد و طب النساء تخصص ذو طابع جد استعجالي خصوصا فيما يتعلق بالتوليد، و يمكن أن نعتبره تخصص "خط الموت" إلى جانب تخصص الإنعاش، فثوان قليلة قد تكون الفيصل في حياة أو موت الأم الحامل و جنينها أو مولودها. لا يمكن بتاتا، من الناحية العلمية، أن تتم مراقبة النساء الحوامل و تقييم وضعهم الاستعجالي والتدخل في الوقت المناسب إلا بالعمل بنظام الحراسة (garde) حيث يتواجد الطبيب بالمصلحة 12 ساعة متصلة فعليا متبوعة بـ12 ساعة من الراحة الإجبارية على أن لا يتعدى 20 وحدة في ثلاثين يوما، و الوحدة هنا تعرف ب12 ساعة عمل متواصلة متبوعة ب12 ساعة راحة إجبارية، و الراحة الإجبارية و كذا عدم تجاوز 20 وحدة في الثلاثين يوما فرضهما المشرع من اجل عدم استنزاف الطبيب، الشيء الذي إن لم يحترم سيحوله من منقذ إلى خطر عمومي، بسبب التأثير المحتم سلبا على قدرة الطبيب في تقدير الحالة و اتخاذ القرار الطبي المناسب و كذا إجراء أي تدخل طبي جراحيا كان أو غير جراحي، و كل هذا كما قلنا في ثوان معدودة. و يستوجب هذا النظام توفر المؤسسة الصحية على ثلاثة أطباء من نفس التخصص على الأقل.

و في المقابل فإن اعتماد نظام الخدمة الالزامية (= astreinte)، في هذا التخصص، نظرا "للشح العددي" لاطباء النساء و التوليد بالقطاع العام، كما هو الحال الآن بجل مستشفياتنا، فهو غير مقبول من الناحية العلمية،و تهديد مباشر لسلامة و حياة الغير للخطر من الناحية الجنائية، فلا يعقل أن يتحمل الطبيب نتائج مضاعفات اعتماد نظام الخدمة الالزامية في غير محلها. نظام الخدمة الالزامية يسمح للطبيب بعدم التواجد بالمؤسسة خارج أوقات العمل العادية، على أن يلتحق بالمؤسسة فور إشعاره بالحضور من اجل تدخل مستعجل، و يطبق هذا النظام إذا كان عدد الأطباء المتخصصين اثنين أو واحدا. إن عدد الأطباء المتخصصين المعينين بمؤسسة ما يجب أن يناسب نظريا مع وتيرة عمل المصلحة وأن لا يكون اعتباطيا، و كمثال على ذلك فإلى وقت قريب كان ثلاثة أطباء اختصاصيين يعملون بمصلحة التوليد بمستشفى الحسن الأول بتيزنيت، لكن هذا العدد اختزل إلى طبيب واحد بسبب الاستقالات أو التقاعد أو المرض، فاجبر هذا الطبيب الوحيد على العمل وفق نظام الخدمة الإلزامية من اجل الاستجابة لوتيرة عمل تتطلب على الأقل ثلاثة متخصصين، فكان ملزما ان يعمل خلال فترة العمل العادية دون انقطاع، ثم يعمل ليلا دون نوم، ثم يستأانف العمل صباحا دون راحة، بما في ذلك ايام العطل و الاعياد، و هكذا دواليك 24ساعة/24.

كيف تتم معاينة امرأة مقبلة على الولادة؟

هذا سؤال مهم. إن دور القابلة أولي ومحوري وأساسي في التكفل بالولادة و كاف في أغلب الأحيان، باعتبار الولادة حدثا طبيعيا، حيث تقوم بحوار طبي مع الأم من أجل البحث خصوصا عن سوابق مرضية، و تعيد تخطيط سيرورة الحمل، ثم تقوم بفحص سريري مما يمكنها من إظهار خصوصيات الولادة عند كل ام، بينما دور الطبيب ثانوي لكنه أساسي بالنسبة للحالات غير الطبيعية والتي قد تكون غير متوقعة. هنا يطرح السؤال: كيف يمكن لطبيب توليد يعمل وفق نظام الالزامية ان يقيم وضع امرأة حامل دون معاينتها فقط استنادا على رأي القابلة، عبر الهاتف، التي ليس مفروضا فيها و ليس مطلوبا منها الإلمام بالتخصص، وأن يبني عليه قرارا طبيا، هل المسؤول هنا في حالة المضاعفات التي قد تكتسي صبغة جنائية هو الطبيب لأنه استند إلى رأي الغير؟ أم القابلة التي ليس مفروضا فيها و ليس مطلوبا منها الإلمام بالتخصص؟ أم المسؤول عن المؤسسة الذي يفرض نظام الخدمة الإلزامية في غير محله؟

يقال إن نظام الإلزامية هو خطر على الحوامل..كيف؟

نظام الخدمة الإلزامية لا يشترط تواجد الطبيب داخل المستشفى و لكنه يعتمد على استدعاء الطبيب خارج أوقات العمل العادية لتدخل مستعجل. لكن التدخل المستعجل يجب أن يتم في غضون دقائق معدودة وربما ثوان، وهو ما يتنافى مع تواجد الطبيب خارج المستشفى و استدعائه، لأنه لن يصل في الوقت المناسب ثم يقوم بتقييم الحالة و اتخاذ القرار الطبي المناسب ثم القيام بالتدخل المناسب. إن اعتماد نظام الخدمة الإلزامية هنا يؤدي إلى تفويت فرصة تكفل أحسن، والتي يمكن أن تستفيد منها السيدة في مستشفى يعمل وفق نظام الحراسة.

إذن يجب إلغاء نظام "الخدمة الإلزامية" " السالب للحياة" واعتماد " نظام الحراسة" بدلا منه. وهنا أقول أنه لا توجد أنصاف حلول للحد من وفيات النساء الحوامل عند الوضع، فإما أن تكون مصلحة التوليد قادرة على الاستجابة علميا للمتطلبات أو تقفل. إذن الحل هو توفير العدد الكافي من اطباء النساء و التوليد في مستشفيات مركزية و عدم "تشتتيت" العدد القليل من أطباء النساء و التوليد في المستشفيات المحلية مثلا، وكل مستشفى محلي لا يمكن تطبيق نظام الحراسة فيه بالنسبة للتوليد و طب النساء وجب أن يعاد تعيين أطبائه في المستشفى الإقليمي المباشر، لتوفير العدد الكافي للحراسة، وإلا سنسقط في وضع " غير فعال" تماما، وهو انعدام الحراسة بكل من المستشفيين الإقليمي و المحلي، وما على مسؤولينا سوى الاقتداء بالتجربة الفرنسية في هذا الشأن على سبيل المثال.

هل صحيح أن عدد الأطباء الاختصاصيين في أمراض النساء و التوليد في تراجع؟

على الصعيد الوطني هناك تزايد مضطرد لعدد الاطباء في هذا التخصص، لكنه تزايد على حساب القطاع العام، حيث ان هناك نفورا ولنقل هروبا من القطاع العام، مرده إلى ظروف الاشتغال اللاإنسانية، حيث يعمل الطبيب على حساب حياته الأسرية و الاجتماعية، و يستنزف صحته، دون عرفان مادي او معنوي، مما يؤدي به إلى الإنهاك الوظيفي أو الانتحار أو السجن.

إن قانون الاستعباد اللا انساني الخاص بالخدمة الإلزامية لا يمنح أي فترة راحة (récupération) بعد الالزامية..وقد يضطر الطبيب إلى الاشتغال 20 يوما في الشهر ليلا نهارا دون راحة(قانون 20وحدة) ما يتسبب في تعريض حياته و حياة مرضاه لخطر الموت المباشر، وعلى سبيل المثال فقد تفتقت عبقرية بعض المسؤولين و قراءتهم للنص القانوني بأن يكلفوا طبيبا بأكثر من 20 وحدة متتالية، ولولا الألطاف الإلهية لوجد الطبيب نفسه أمام 40 وحدة متتالية يعمل فيها ليلا و نهارا، 24ساعة/24 بدون انقطاع لمدة 40 يوما كاملة.

وهناك أيضا الجانب القانوني الذي يلفه الغموض؟

الخطأ الطبي يعرف بكونه خطا ناتجا عن جهل أو إهمال أو التدليس من طرف الطبيب أدى إلى ضرر لدى المريض مع وجود علاقة سببية مثبتة بين الخطأ والضرر، ويجب تمييزه عن المضاعفات أو الأعراض الجانبية التي هي مثبتة علميا و ليس الطبيب مسؤولا عنها. الغموض لدى غير المتخصص مصدره هو عدم التمييز بين الضرر الناتج عن الخطأ الطبي من جهة و الضرر الذي يدخل في نطاق المضاعفات والإعراض الجانبية من جهة أخرى. من أجل الحديث عن خطا طبي يجب تثبيت عناصره الثلاثة و هي الجهل أو الإهمال أو التدليس أولا والضرر ثانيا، والعلاقة السببية ثالثا، وانتفاء عنصر واحد كفيل باستبعاد الخطأ الطبي من الناحية القانونية.

وهنا يأتي دور السلطة الرابعة في تنوير الرأي العام بهذا الخصوص، إذ لا يجوز الحديث عن الخطأ الطبي إلا بعد قرار المحكمة والذي يستند إلى لجنة متخصصة.

كيف ترى مستقبل هذا التخصص؟

هناك عزوف عموما عن هذا التخصص لما يكتسيه من صعوبات، و خصوصا في القطاع العام بحكم ظروف الاشتغال اللا إنسانية في هذا القطاع. إن هذا العزوف الذي مرده إلى منظومتنا الصحية سيفاقم شح الأطباء في هذا التخصص على المدى المتوسط، مما سيؤدي إلى كوارث إنسانية إن لم يتم تدارك الوضع قبل فوات الأوان.