الوفاء في حضرة التكريم.. حين يلتقي النضال الحقوقي(حرزني) بأسطورة الملاعب (فرس)
إضافة إلى الدور الحاسم الذي قام به المرحوم أحمد حرزني، المناضل الحقوقي والرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في رفع الحجز عن بيت الراحل أحمد فرس بعد توصله بملف القضية عن طريق صهره الأستاذ فؤاد بلمير الصديق الحميم ل"مول الكرة". إضافة إلى ذلك، سيقدم حرزني على التفاتة معنوية تجاه صديقه في الدرب والدراسة في مرحلة الابتدائي بالمحمدية؛ أحمد فرس.
كانت المناسبة هي اختتام فترة رئاسة حرزني للمجلس الاستشاري، وتنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان لحفل تكريم على شرفه كشخصية فذة ؛ مناضل ومعتقل سياسي سابق ووطني خالص، وأحد مؤسسي اليسار المغربي، ورئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الأسبق وسفير متجول في المجال.
الراحل حرزني طلب من صهره فؤاد بلمير أن يخبر فرس أنه سيمنحه الكلمة في حفل التكريم الذي سينظم يوم 05 أكتوبر 2011 بالرباط، كصديق طفولته ورفيق دربه الإنساني، وكأسطورة للكرة المغربية والعربية والأفريقية.
كان الحفل الذي أقيم بفندق هيلتون بالرباط حدثا مفعما بالإنسانية، حضره كبار مسؤولي الدولة وشخصيات سياسية وحقوقية وثقافية من مختلف المشارب.
سيقف الجميع على مشهد غير مألوف في البروتوكولات الرسمية: رجل الدولة والمفكر الحقوقي، آثر أن يترك مساحة الختام لصوت صديق عرفه قبل الشهرة والمناصب، في إشارة دافئة إلى أن العلاقات الإنسانية الحقيقية لا تبهت مهما تغيرت مواقع أصحابها.
هذا الاختيار، كما قال لي الأستاذ فؤاد بلمير
الذي حضر الحفل إلى جانب صديقي فرس، بوعلي فتار و المرحوم الحارس الدولي الطاهر الرعد، لم يكن مجرّد التفاتة شخصية، بل رسالة مزدوجة: الأولى وفاء عميق لصداقة تمتد لسنوات الطفولة، والثانية تذكير ناعم بأن الاعتراف بالآخر يتجاوز الاعتبارات السياسية أو المهنية، ليعود إلى جوهر القيم التي تأسس عليها النضال ذاته: الوفاء، الصدق، والإيمان بقيمة الإنسان.
وأضاف بلمير الباحث في السوسيولوجيا، ونحن ننبش في الحدث، أنه من منظور سوسيولوجي، يمكن قراءة هذا موقف حرزني كإعادة ترتيب للهرمية الرمزية في الفضاء العمومي المغربي، حيث يكسر الحاجز بين مناضل سياسي حمل لواء حقوق الإنسان لعقود، وبين رمز رياضي صنع أمجاد الوطن في الملاعب. فكلاهما، وإن اختلفت ساحات عطائهما، يمثلان ذاكرة جماعية مشتركة، وقصة نجاح مغربية متعددة الأبعاد: نجاح في الفكر والعمل المدني، ونجاح في الرياضة وبناء الهوية الوطنية.
كان المشهد وحرزني يمنح الكلمة لفرس أمام جمهور رسمي وسياسي، يلخص فكرة أن الصداقة الصادقة هي جسر يتجاوز الزمن، وأن تكريم الرموز لا يكتمل إلا حين يستحضر البعد الإنساني في سيرهم. وهكذا، تحوّل الحفل من مناسبة بروتوكولية إلى لحظة صادقة في تاريخ العلاقات الإنسانية بالمغرب، لحظة تعيد الاعتبار للروابط التي لا تصنعها السلطة ولا تتآكلها تقلبات.
لكن لا بد من الإشارة إلى من لايعرف المرحوم فرس عن قرب. فلقد ظل طيلة أسبوع مرتبكا يعيش تحت الضغط والتوتر منذ توصله بخبر إلقائه كلمة في حفل التكريم. فرس الذي كان يملك أسلوبا جميلا في الكتابة باللغة العربية، وخطا مغربيا رائعا ظل طيلة أسبوع، يكتب الكلمة التي سيتلوها في حفل تكريم صديق كبير، وأمام حضور وازن. كان فرس يكتب ويعيد ويسأل عن مضمون الشهادة التي كتب، يطلب خاصة من فؤاد بلمير قراءتها وإعادة صياغتها.
هكذا كانت عادة فرس مثل النجوم الكبار يحرصون على تقديم الأجود مما يضعهم تحت ضغط نفسي رهيب، لأنهم اعتادوا على التميز بكل خجل وتواضع..
يتبع..
