الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

المحامي المعطي سهيل: لا يعقل أن يتملص هذا البنك من اختلالات موظفيه أو اختلاساتهم

المحامي المعطي سهيل: لا يعقل أن يتملص هذا البنك من اختلالات موظفيه أو اختلاساتهم ذ.المعطي سهيل، عضو هيئة المحامين بالدار البيضاء
في سياق القضية التي أسالت الكثير من المداد حول الدعوى القضائية التي رفعها مستثمر سعودي ضد الملياردير عثمان بنجلون، يوضح ذ.المعطي سهيل، عضو هيئة المحامين بالدار البيضاء، في حوار تنشره "أتفاس بريس"، التزام البنك بتصحيح اختلالات موظفيه أو اختلاساتهم، والمفروض أنه عند تحريك المتابعة القضائية ينبغي الحجز على أموال البنك حماية لمصالح الزبون، وهناك ملايير الدراهم التي اختلست وفر المتورطون خارج المغرب، والضحية هو الزبون، لهذا نجد بعض الأبناك تتفهم هذه المنازعات وتسعى لحفظ صورتها التجارية
 

هناك العديد من القضايا التي تعرض سنويا أمام المحاكم التجارية، وجلها يتعلق بالمنازعات البنكية، كيف تصف الإطار القانوني المنظم لهذه المنازعات؟
الإطار القانوني موجود، ويتمثل في قانون الالتزامات والعقود والقانون البنكي ومدونة التجارة وقانون المؤسسات المالية. وبالتالي فنحن أمام ترسانة تشريعية مهمة تنظم العلاقة بين الزبناء والأبناك، والقطاع البنكي من القطاعات الحيوية بالمغرب. طبعا نحن نطمح لأن يكون القطاع ذا فعالية إضافية في الاقتصاد الوطني. بالنسبة للمنازعات البنكية فالقوانين بقدر ما تحمي الزبناء فهي تحمي أيضا الأبناك، وهناك تماثل لحقوق الطرفين وواجباتهما، والمحك الأساسي لهذه القوة الحمائية نجدها في المحاكم، أي عند التقاضي حيث تتراوح الأحكام بين الحكم لصالح هذا الطرف او ذاك، بناء على المستندات والأدلة.. وأي تعامل بين الزبون والبنك يحتكم لعقد واضح الالتزامات والواجبات..
 
ومع ذلك يشتكي عدد من الزبناء من عدم دقة موظفي الأبناك في إجراء بعض التعاملات، ويكونون ضحايا اختلالات أو حتى اختلاسات، كما تأكد من خلال البحث الميداني الذي أجرته «الوطن الآن».. ما رأيك؟
شيء طبيعي أن نكون أمام اختلالات أو اختلاسات. فالعلاقة المالية هي بين البشر، والجميع معرض للسقوط في أخطاء عن غير قصد أو عمدية، والأساس أننا أمام تشريع يحمي الطرفين معا وليس تشريعا لصالح هذا على حساب الآخر، وأي تشريع اختباره الحقيقي هو ما يأتي بعد الإصدار من وقائع ونوازل، يتعين معالجتها نصا واجتهادا، وقد يتم تدارك المستجدات في التعديلات اللاحقة في أي قانون. بشكل عام، فإن المعاملات المالية في الأبناك تكون روتينية: فتح حساب، إيداع الأموال وسحبها مباشرة او بالشيك او البطاقة، منح قروض، أداء فواتير.. ومع ذلك فإن هناك معاملات جديدة عن طريق الأنترنيت ودخول العالم الافتراضي وتتبع حركية الحسابات، وهو ما يطرح سؤال الكفاءة المهنية لموظفي وأطر المؤسسات البنكية، مع العلم بأنه في ظل التطور التقني أصبح التوظيف في القطاع البنكي ضئيلا، بالمقابل يطرح السؤال عن مدى وجود زبناء يتوفرون على تقنيات الولوج لهذه المنصات التواصلية لمواكبة عملياتهم البنكية، وما هي الضمانات التقنية لتحصين المعاملات البنكية من اي اختراق افتراضي. وكما يمكن أن نضبط اختلالا في هذا الطرف من العملية، فإن الطرف الثاني هو أيضا تحت الضبط.. وبالتالي، فنحن أمام بشر لا يعرف نوايا أي أحد، وافتراض النية الحسنة يوازيه افتراض النية السيئة، والقانون هو الذي ينبغي أن يحتكم إليه عند حصول أي نزاع بنكي، ودور القضاء هو تثبيت هذه الأحكام وفق التشريعات المحتكم إليها..

لكن البعض يعتبر أن هذه التشريعات موضوعة من قبل السلطة التشريعية، بضغط من الأبناك التي لها قوة ضاغطة تجعلها دائما في رتبة الأفضلية؟
شيء طبيعي أن تكون للأبناك قوة ضاغطة وتجمعهم المصلحة ويسعون دائما لأن يكون القانون في صالحهم، والتشريع في أي دولة نابع من القوة الترافعية للفئة المعنية به، وكذا من القوة السياسية التي لها سلطة التشريع، ولا يمكن تغطية الشمس بالغربال، وجل القوانين تكون مصدرها الحكومة بعد نقاشات مطولة مع الهيئات النقابية ورجال الأعمال والقوى الضاغطة، مع مراعاة السياقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. أعطيك مثالا، سعر الفائدة عنصر أساسي في السياسة النقدية، وبنك المغرب هو الذي يفرضها على الأبناك، بحكم أن السياسة العامة المالية موكولة لهذا البنك المركزي، مع مراعاة السياقات الداخلية والخارجية، والمواطن البسيط لا يمكنه أن يتدخل مباشرة في أي تعديل للمصلحة في اتجاهه. وللأسف التشريع في المعاملات البنكية تحكمه هواجس أخرى وتكون للمصالح دور كبير في وضعها والدفع بها، لهذا نجد الأبناك تحتكم لاتفاق غير ملموس من أجل احتكار المعاملات البنكية، وهذا ما يفسر استثناء الأبناك من تقارير مجلس المنافسة، خصوصا في الشق المتعلق بسعر الفائدة، التي تبقى أحيانا محط تفاوض بينها وبين زبنائها. وبالتالي فنحن لسنا أمام دمقرطة منح القروض للجميع بنفس سعر الفائدة، ومن يدعو لدمقرطة المعاملات البنكية فهو حالم، لأن البنك يمارس عملا تجاريا، وتخضع معاملاته لقانون العرض والطلب، ومصلحته بالأساس هي تحقيق الأرباح بالدرجة الأولى، وهو ما يفسر ضعف مشاركة الأبناك في التنمية الاقتصادية الوطنية والقطاعات الاستراتيجية، فهم يجسدون مقولة رأس المال جبان، وينأون عن كل استثمار فيه مخاطر.. وبدأ هذا التوجه في التواري الاستثماري سنوات الثمانينات بعد ان كانت الأبناك في السابق أبناك أعمال..
 
من خلال البحث في ملفات المنازعات البنكية يلاحظ أن مساطر التسوية تنهار، ولا تدوم، مما يكون معه اللجوء للقضاء، وهو ما يخلف احيانا استياء من قبل الزبائن في استخلاص حقوقهم، خصوصا وأن مسطرة التقاضي قد تصل لسنوات..
نحن أمام معاملات بنكية دقيقة ومصالح مالية كبرى، والتثبت من شروط المحاكمة العادلة، وفي جميع الأبناك هناك مصالح للتسوية الودية، ومع ذلك يبقى من حق أي طرف رأى أن التسوية لم ترقه، اللجوء لمسطرة التقاضي، والبينة على المدعي في هذه الحالة، بالمقابل يبقى البنك مسؤولا عن تعاملات موظفيه وأطرها مركزيا أو في الوكالات، لأن عنصر الثقة هو رأسمال أي تعامل بنكي. ولا يعقل أن يتملص هذا البنك من اختلالات موظفيه أو اختلاساتهم، والمفروض أنه عند تحريك المتابعة القضائية ينبغي الحجز على أموال البنك حماية لمصالح الزبون، وهناك ملايير الدراهم التي اختلست وفر المتورطون خارج المغرب، والضحية هو الزبون، لهذا نجد بعض الأبناك تتفهم هذه المنازعات وتسعى لحفظ صورتها التجارية، واكتساب المزيد من الثقة، وتقوم بتسوية ودية دون إحداث أي ضجيج يمس سمعتها. فعندما تكثر ملفات هذا البنك في المحاكم يتبرم منه الزبناء، وقد يسحبون أموالهم خشية اختلاسها..

بالنسبة للقضاة، هل هناك مواكبة للتطورات التي يعرفها القطاع البنكي؟
لن تجد قاضيا أو خبيرا أو محاميا ضابطا لكل المتغيرات البنكية وتعاملاتها، لهذا نجد أن القضايا يؤجل النظر فيها، لأنها تحتاج للدقة والإلمام بالمعاملات وتباين طبيعتها، ومع ذلك فالتكوين المستمر أمر واجب على جميع المتدخلين، مع العلم بأن بعض المنازعات البنكية تحتاج لخبرات أولى وثانية وثالثة، وقد يتطلب الأمر الاستعانة بخبرة الشرطة العلمية بالنسبة للدعاوي المتعلقة بالتزوير سواء في الخطوط او التوقيعات..