الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عبدالكريم لمباركي:العقل العربي بين الخرافة والإتكالية

عبدالكريم لمباركي:العقل العربي بين الخرافة والإتكالية عبدالكريم لمباركي
(بيض لي لبابا عاشور أعمي عافاك)
هذه هي العبارة التي تتكرر هذه الأيام من طرف أطفال المجتمع المغربي،المجتمع الذي لا ينضبط لصيرورة التاريخ المتصلة، وإنما يعيش قفزات وانعطافات متقاطعة محكومة بالصدفة والعرضية، وهذا دليل قاطع على أننا نعيش وهما جمعيا جعلنا منه الحاكم والمتحكم لممارساتنا وأفعالنا، فأضحى ما يجمعنا ويوحدنا هو اللامنطق واللاعقل،
لأنه أمر سهل لا يقتضي منا مجهودا فكريا ولا معاناة مع العقل لكي يشتغل ويقوم بمهته. هذه المهمة التي تنحصر في إنتاج الأفكار وإعادة مسائلتها ونقدها حتى نميز بين السليم والفاسد منها،متبعين بذلك منهاج ديكارت في فحص الحقائق، والذي جعل من الحدس والبداهة عموديه الفقري، مثال ذلك سلة التفاح التي قدمها كمثال ليرد على اعتراضات الأب بوردان الذي حاول أن يقزم من عمله الجليل "تأملات ميتافيزيقية".
يقول ديكارت " "إن حدث أن حصلت بالصدفة على سلة مملوءة عن آخرها بالتفاح وخشيت أن تكون بينها تفاح فاسد فأرادت إزالته مخافة أن يفسد الباقي،فما عليك القيام به؟يجيب "ديكارت" وجب أن تبدأ أولا بإفراغ السلة من حمولتها، بعد ذلك تقوم بفحص وانتقاء التفاح السليم فقط تاركا الفاسد منه".
نفس الأمر وجب أن يطبقه الكائن البشري الذي يتعرض مند نعومة أظافره إلى العديد من الأفكار الشائعة والخاطئة، ظنا منه أنها صحيحة فعليه أن يثبت صوابها وصدقها عن طريق جهده الخاص إنطلاقا من مصادر العقل تاركا بذلك كل الأفكار التي تفرض عليه من السابقين له.
ولكن السؤال الذي يطرح ذاته هنا بإلحاح:هل فعلا لدينا أفراد جريئين على استخدام عقولهم؟ وإن كانوا فعلا مجرد آلات تقوم بإعادة إنتاج نفس القيم والأعراف التي توارثوها من ثقافتهم،فمن المسؤول يا ترى؟.
إذا كانت البداهة العقلية أحد تمركزات قواعد المنهج الديكارتي،فأنا أجزم ببداهة صارمة أن التفكير العربي تفكير غارق في أصفاد وبراثين العصور الوسطى،ولم يتخلص منه بعد. وبهذا تكون الحداثة مجرد ترف فكري لا تعني له شيئا سوى كونها ثورة العقل الأوربي على العقل العربي،وإخراج هذا الأخير من حدوده المتعارف عليها،هذه الحدود التي وضعت من طرف أموات لا نزال مخلصين لتراهاتهم التي لا تبث للعقل بصلة.
فالإحتفال بهذه الطرق الهمجية والهستيرية بمناسبة عاشوراء تبرهن وبالملموس على أن الفرد العربي أصبح مجترا وراء الخطط المحبوكة التي تنهجها الأنظمة من أجل استمداد مشروعيتها في الاستمرارية،وشرعيتها في التعنيف المادي منه والرمزي على حد سواء،فالدولة المغربية على سبيل المثال لا الحصر،خلقت نمط تفكير غير نافع للفرد مكان التفكير النافع، وذلك عن طريق إقحامه في دوامة اليومي والمعتاد لدرجة لم يعد يميز بين الصحيح والخطئ في إطار تعامله مع الموضوعات . ولعل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تلازم الشارع المغربي اليوم تثبت ذلك،فحينما يكون الأمر متعلق بالصالح العام وإرجاع الكرامة للأفراد لن تجد معك حينها سوى القلة القليلة، والأغلبية جالسة في المقاهي مهرولة وراء أحصنة الحظ التي نهجتها فرنسا بغية اكتمال استعمارها،متجاوزة بذلك الجغرافي وصولا إلى الفكري والمادي.أما حينما تصل لحظة التفاهات والتراهات سوف ترى جيوشا مجندة و ضخمة، هذه الأخيرة هي التي تساند المهرجانات وكرة القدم،مكرسة بذلك سياسة الإلهاء.فمن يجأرون بمثل هذه أفعال،فهم بذلك يظلمون أنفسهم وعقولهم، لأنهم يدافعون على عبوديتهم بشراسة،وكأنهم يدافعون على حريتهم،وبالتالي يصبح العقل ضحية فرض الوصايا والتبعية.
ومن بين آليات تراجع المجتمع المغربي نجد كذلك التلفاز كعنف رمزي يقوم بمهمة تخريب الضمائر ،فما يجعل الأمهات والأطفال متبعين ممارسات عاشوراء، هي تلك الأفلام التي تعود بنا إلى العصور الكنائسية والمظلمة،من قبيل مسلسل "حديدان"الذي يعلم كيفية الغدر والمكر بحجة النباهة والذكاء،ولكن الأمر عكس ذلك ،فهو يكرس اللايقين واللاثقة فيما يحكم العلائقي في المجتمع المغربي،كما أنه يدعم السياسيين ويشرعن لهم كل أفعالهم السياساوية التي لا تمت للفعل السياسي الأخلاقي بصلة.ثم مسلسل "رمانة وبرطال" الذي كانت جل حلقاته أيضا تركز على حيل المرأة،والصراع القائم بينها وبين الرجل من أجل نيل اعتراف أحدهما بالأخر،علاوة على تشجيع التقاليد التي أكل عليها الدهر وشرب،مثل الاحتفال "بعظم "اسمه "بابا عيشور"وإضفاء القدسية عليه لدرجة قريبة من التأليه،وهذا أمر طبيعي من إعلام تقوده شركات صهونية بمشاركة مع مخرجين ومنتجين ملمين بالتاريخ الخرافي و"الأسطوري" للمجتمع المغربي،بهدف قتل فكرة الإله في عقولهم،باعتبارها الجامع والموحد الذي ينضمهم وينضم تفكيرهم كما أسماه الفلاسفة اليونان الطبيعيين أو الفزيائين في الحقبة ما قبل سقراط،ناعتين أياه "باللغوس".
إن الأبوين هما المسؤولين رقم اثنان بعد الدولة حول واقع أبنائهم،فبمجرد أن تسلم أبناءك "عظم"وتخرجهم لطريق فقط استدمجت في عقولهم آنذاك فكرة الإتكالية على الآخرين مما يحول دون الاعتماد على أنفسهم وهم يواجهون صعاب الحياة.كما أنهم سوف يتعلمون مهنة التسول وبطريقة سلسة،كونهم يعيشون في واقع هو ذاته متسول،لا من حيث بنيته الفوقية المتمثلة في الفن والدين والأخلاق... ولا من حيث بنيته التحتية،المكتملة في الاقتصاد والمجتمع.
على سبيل الختم،يمكننا أن نستنتج نتيجة واحدة ووحيدة،وهي كالآتي:أن العقل العربي عقل خرافي بامتياز،والفيلسوف المغربي العظيم " محمد عابد الجابري"،كان رحيم في تقسمه لبنية العقل العربي، لأنه ميزه بالبيان فقط.و بالتالي فالمجتمع العربي بعيد بسنوات ضوئية عن الحداثة والأنوار،لأنه يخشى التفكير ويجهل أبجدياته وشروطه،ولعل من بين شروط ومقومات الحداثة، العودة إلى العقل والذات ومحاولة تحريكهم من أحل القيام بدورهم،لأن الأنوار والحداثة هم موقف نتخذ اتجاه الذات والمجتمع،ليس مجرد مرحلة تاريخية فقط.
 
عبدالكريم لمباركي، طالب تخصص فلسفة