الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

المكي نشيد: الثقافة والأمن الثقافي

المكي نشيد: الثقافة والأمن الثقافي المكي نشيد

لطالما سمعنا مسؤولينا الكبار على رأس الدولة، أو بعض زعماء أحزابنا السياسية، وطنية أم إدارية، سيان، وهم يشنفون أسماعنا، سواء بمناسبة وقائع أو احداث إرهابية معينة، أو بدونها، بكلام يكاد يصير مكرورا أثناء كل حدث أو مناسبة، وهم فيه يوطنون العزم على محاربة الإرهاب، ويتوعدونه باجتثاث أسبابه وعوامله ودوافعه من جذورها المولدة له. وحينها كنت أعتقد أن مسؤولينا يعرفون حق المعرفة ما يقولون وعم يتحدثون، وهم بدون شك، يدركون جيدا ما الذي يقصدونه بـ "جذور الإرهاب" كما يتداولونها، وأنهم، ولا ريب، لا ينطقون عن الهوى، وإنما انطلاقا مما يمتلكونه من سلطة فعلية وأدوات للعمل الميداني، واستنادا على ما يتوفر لديهم من معطيات ميدانية ضرورية، ومن دراسات وبحوث علمية يستندون عليها في اتخاذ قراراتهم وبناء تدخلاتهم التي يودون منها تهدئة المواطنين وطمأنة نفوسهم.

 

لكنني، وأمام الشك الذي بدأ يساورني نتيجة عدم كفاية تلك المزاعم والأقوال في الحد من التوسع الذي تعرفه دائرة العنف والإرهاب؛ فقد صرفت اهتمامي إلى التفكير في المكون الثقافي لأنه قد يكون أهم حضن مولد للنزوع نحو التعصب والعنف والكراهية والإرهاب لدى فئة عريضة من شبابنا ومواطنينا. وفي هذا الإطار، آليت على نفسي أن أتابع مجريات المعرض الدولي للكتاب لهذه السنة مترصدا ميولات الزوار القرائية واهتماماتهم الثقافية، ونتيجة لذلك، فقد تبين لي بالملموس الذي لا يدع مجالا للشك أو التردد، أن معظم ميول الزوار واهتماماتهم الثقافية تتجه صوب الاروقة أو دور النشر العارضة للكتب الدينية، ويمكن اعتبار هذا الإقبال الشديد على الكتب الدينية مسألة عادية ومن حق الناس جميعا أفرادا وجماعات، على أنه ميل قد يثير فضول الدارس الاجتماعي. ومن خلال متابعتي لنوعية مشتريات الزوار من الكتب الفقهية المعروضة، تأكد لي أن معظم مسؤولينا الكبار المؤتمنين على تحصين العقول وحماية أمن البلاد والعباد من أي طعنة غادرة، أنهم في مختلف وجهات النظر التي يتقدمون بها، وأنهم في كلامهم، يهرفون بما لا يعرفون، ومن ذلك لا يدركون بأن بعض مكونات الثقافة يمكن أن تشكل حضنا مخصبا للدوافع الجنينية لمختلف عوامل الإرهاب ودوافعه المحرضة في غياب لأي متابعة نقدية مدروسة لما يتم استهلاكه لدى المواطنين أو الترويج له.

 

ومن ذلك أنه ضمن معروضات الكتب الفقهية التي صادفت هوى في نفوس العديد من الزوار الذين أقبلوا على اقتنائها بسخاء، نجد كتب أبو الأعلى المودودي، وسيد قطب، وحسن البنا،.. من كتاب "جاهلية القرن العشرين"، إلى "المستقبل لهذا الدين"، ثم إلى كتب العديد من الفقهاء المتشددين المتوالين عبر سنوات إلى اليوم... وإذا كان هؤلاء الرواد هم من أسس لمختلف المذاهب الدينية التكفيرية اليوم، وهم أول من زرع في نفوس الاتباع بذور الكراهية والتعصب واسترخاص النفس البشرية؛ فكيف يتم السماح بترويج كتبهم ومؤلفاتهم أمام الزوار بمعرض ثقافي دولي كبير؟ ألم يكن الأجدر بمسؤولينا الكرام تتبع ومراقبة ما يتم الترويج له داخل المعرض حماية لأمننا الثقافي والديني والاجتماعي؟