الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد بلمختار منيرة: هجرة الأفارقة.. من المسؤول؟

أحمد بلمختار منيرة: هجرة الأفارقة.. من المسؤول؟ أحمد بلمختار منيرة

لم يعد مقبولا ربط تخلف الدول الإفريقية، بالاستنزاف المباشر لخيراتها وثرواتها الطبيعية أثناء الاستعمار الأوروبي. والسبب واضح، فأغلب الدول الإفريقية نالت استقلالها ما يزيد عن نصف قرن. وهي مدة كافية جدا، لإعادة هيكلة البيوت الافريقية، اقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا. ولن تحدث التدفقات البشرية الافريقية تجاه الشمال، كما كان يقع...ويقع اليوم بنسب أقل بكثير.

ولكن، ذلك لم يتحقق في أغلب دول إفريقيا، مع العلم أنه في أقل من هذه الحقبة  التاريخية، تمكنت دول أسيوية من تحقيق الاقلاع الاقتصادي، بل غزت بمنتوجاتها أسواق أمريكا وأوروبا. وهنا أود أن أقدم بعض الحقائق:

"فضلت" الدول الأوروبية، فرنسا كمثال، التعامل الاقتصادي مع دول افريقيا، بشكل أحادي، وليس كتكتلات اقتصادية. وقد خاض المغرب، كبلد إفريقي، مفاوضات مع فرنسا، لحثها على التفاوض بشكل متساو وعادل. وإقامة شراكة حقيقية، تأخذ بعين الاعتبار مصالح الطرفين. ونستحضر التفاوض العسير للمغرب مع دول الاتحاد الأوروبي حول الصيد البحري، كلما اقتربت نهاية المدة الزمنية للاتفاق بين الطرفين.

وأما الحقيقة الثانية فتتجلى في تحميل دول افريقيا، وحدها، المسؤولية عن التدفقات المهولة بشكل انتحاري عبر القوارب وبطرق أخرى للإنسان الإفريقي تجاه إسبانيا وإيطاليا وباقي الدول الأوروبية. وكم مرة تم اتهام المغرب بعدم القيام باللازم، لإيقاف زحف الهجرة السرية. وهو طرح مغلوط عن قصد، ومضلل للرأي العام الأوروبي خاصة.

الحقيقة الثالثة، أن لهؤلاء الأفارقة كغيرهم -والمغاربيون منهم- الحق في الحياة، والحق في الاتصال بغيرهم من البشر كيفما كان لونه وجنسه وجنسيته. وأي إجراء عنيف تجاههم، فهو مرفوض أخلاقيا وقانونيا. وهو هضم لحقوق الإنسان الافريقي.

إن ظاهرة الهجرة الانتحارية للأفارقة من بلدانهم الأصلية، تفرض الرجوع إلى أسبابها الحقيقية، فلا يمكن القفز على التاريخ  رغم اختلاف المرجعيات والرؤى.

فأوروبا التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة البنيات الاقتصادية على الأقل، احتاجت بشكل قوي، إلى اليد العاملة الأجنبية لإعادة بناء اقتصادياتها. وقد شكلت قوة العمل الافريقية ومنها المغاربيون نسبة هامة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها. فمن بنى الطرق والقناطر والصرف الصحي..؟ إنهم المغاربة والجزائريون والتونسيون والسنيغاليون... إنه الإنسان الإفريقي.

وبرأي الأوروبيين المهتمين بشؤون الهجرة، فمنذ السبعينيات وإلى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، أثرت تدفقات اليد العاملة تجاه أوروبا بشكل إيجابي. ونظرا للصعوبات الاقتصادية والبطالة، لم تعد أوروبا تقبل المزيد من اليد العاملة الأجنبيةـ بل حرصت على عودة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية. وحاربت الهجرة السرية، وأدمجت نسبة هامة من الفارين لتبرير عملية إغلاق الحدود.

لكن سجل الملاحظون حضور العمال الأجانب في الاقتصاد الأوروبي، ولو في فترة عصيبة، كفترة السبعينيات التي ارتفعت خلالها فاتورة البترول بشكل كبير جدا، والدليل على هذا الحضور، من فرنسا.

لقد بلغ عدد العمال الأجانب في فرنسا سنة 1975، 331000 عام من أصل جزائري، 306700 عامل من أصل برتغالي، 204000 من إسبانيا، 199200 من إيطاليا، 152300 من المغرب. أي، بلغ مجموع العمال الأجانب سنة 1975 في فرنسا وحدها: 1.900.000 عامل أجنبي، وذلك حسب بيتر.ه. لندر (Peter H. Linder) وهو خبير في الاقتصاد الدولي. وقد كان للشغيلة الأجنبية، المغاربية بالخصوص، حيث بلغ عدد العمال الجزائريين والمغاربة: 483000 عامل في 1975، الأثر الكبير على الاقتصاد الفرنسي. وكانت أجور هؤلاء العمال متدنية.

ويعلم المهتم بشؤون الهجرة، أنها ليست موضوعا جديدا، فقد انقسم الأوروبيون بعد الحرب إلى العالمية الثانية إلى مشجع لها، ومعارض لها. ففي بريطانيا، كانت معارضة النقابات للهجرة والمهاجرين، جد قوية.

وعلى عكس ذلك، فتحت دول أوروبية أخرى كإسبانيا مكاتبا لاستقبال الأجانب، وراجعت قوانينها آنذاك، بشكل لافت للنظر من حين لآخر لفض النزاعات بين العمال الأجانب والمواطنين الأصليين. وقد كانت مساهمة اليد العاملة الأجنبية، لا تقاس بنسبة الأجانب إلى الساكنة النشيطة.

ولا نوافق رأي "ميشيل ديروسي" الفرنسي، المهتم بشؤون التاريخ كمثال، والذي كان يقول إنه على خلاف مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، ارتفعت تدفقات المهاجرين حيث إن ثلاثة توجهات تطبع الحركات تجاه أوروبا وهي: السرعة والعولمة والجهوية.

لا نوافقه الرأي، لأن السؤال الذي ينبغي طرحه: من هي تلك الشريحة التي تم استقطابها في العقود الأخيرة من طرف أوروبا، وأمريكا أيضا، وتدعو إلى استقطابها حاليا كل الدول المتقدمة؟

إنها الطاقات البشرية التي ولدت وتعبت بدولها الأصلية الافريقية والعربية، من أجل كسب العلم والمعرفة. إنها الأدمغة الحية. لأن اقتصاد العولمة مبني على المعرفة والتكنولوجيا المتطورة، لا على الجهد العضلي.

من جانب آخر، فلم تعد هناك رغبة لدى أوروبا في استقبال الانسان الافريقي. وهي حقيقة يتم الالتفاف عنها، تحت شعارات مختلفة.

فما المطلوب؟

في تقديري، على الدول الأوروبية أن تصارح ذواتها بحقائق وأسباب الهجرة من افريقيا إليها. وهذا شبه مستحيل، لأن الرأسمالية المتوحشة تسيطر في العالم. عليها أن تعلم أن الإنسان الافريقي لا يحتاج إلى الصدقة.

وعلى الأنظمة الإفريقية أن تراجع أوراقها وتستفيد من دروس تاريخها، فالتنمية تصنع في داخل كل بلد من خلال البحث العلمي وانتشار المعرفة والديمقراطية الاجتماعية.

ختاما، على كل بلد إفريقي وعربي، وقع على ميثاق مراكش، أن يقوم بتنزيل مضامينه داخل وطنه. وعلى دول الاتحاد الإفريقي أن تقوي جسدها الاقتصادي والاجتماعي وتبني مستقبلها من خلال المؤسسات الديمقراطية، لتحقق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وتتفاوض مع صناع العولمة بقوة، للاستفادة ماليا كلما أمكن ذلك. إن التنمية الحقيقية هي التي بإمكانها الحد من الهجرة الانتحارية للإنسان الإفريقي.

- أحمد بلمختار منيرة/ إعلامي وباحث