السبت 20 إبريل 2024
سياسة

عبد الغني السلماني: يا حامي الدين.. الذي يؤمن بسلطة القضاء لا يخاف من العدالة!!

عبد الغني السلماني: يا حامي الدين.. الذي يؤمن بسلطة القضاء لا يخاف من العدالة!! الضحية أيت الجيد يتوسط الأستاذ عبد الغني السلماني (يمينا) وعبد العالي حامي الدين

ينشغل الرأي العام السياسي بتبعات التهمة التي تلاحق القيادي بحزب المصباح، عبد العالي حامي الدين، على ضوء قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس، متابعته بتهمة “المساهمة في القتل العمد” وإحالة القضية على غرفة الجنايات بذات المحكمة، وذلك على خلفية اغتيال الشهيد "آيت الجيد محمد بنعيسى"، حيث إذا ظهرت أدلة جديدة لم تكن معروفة في وقت المحاكمة يمكن إعادة النظر في محاكمة المتهم من جديد وفتح الملف مرة أخرى، علما أن الأدلة الجديدة قد تبرئ المتهم كما قد تدينه.

جرأة قاض

إنها القواعد القانونية التي يعرفها طلاب القانون المبتدئين، من حق المحكمة إذا كانت قد أدانت متهما وبرزت أدلة جديدة يمكن أن تطلب المراجعة. وإذا كانت المحكمة قد برأت وظهرت أدلة جديدة من شأنها أن تدين، فللمحكمة حق إعادة فتح الملف ليقول القضاء كلمته. منطوق القانون هكذا، لكن قدر آيت الجيد أن يبقى حيا بيننا ولحقب طويلة. إنها القضية واللحظة التاريخية التي ينتظرها عشاق العدالة والباحثون عن الحقيقة..

وعليه، نحن لا ندين حامي الدين ولا نبرئه. نقول له بصوت هادئ إن كنت تؤمن بالقضاء لا تخف من العدالة. لا تُسيس القضية، الجريمة ثابتة، ومن قتل الشهيد يعرفون أنفسهم؛ لكن منطق التاريخ لم يكن منصفا، ولم تكن اللحظة مواتية حتى يتم تقديم الجناة للعدالة، بل اللحظة كانت تفرض اجتثاث الفعل الكفاحي والتقدمي من الجامعة وكانت قوى الإسلام السياسي هي المنفذة بامتياز.. لكن منطق التاريخ لم يكن منصفا، ولم تكن اللحظة التاريخية مواتية حتى يتم تقديم الجناة للعدالة، بل اللحظة كانت تفرض اجتثاث الفعل الكفاحي والتقدمي من الجامعة، وكانت قوى الإسلام السياسي هو المنفذة بامتياز؛ لذلك لمدة تفوق 15سنة ونحن نساهم، بشكل وبآخر، بالتعريف بهذا المناضل الرائع الذي تعرفت عليه عن قرب وعاشرته وكان معلمي وموجهي، وربما ما وصلت إليه مساهمة بنعيسى واضحة في الكثير من معالمها ومفاصلها، ولن نكون مثل "القادة" و"الوزراء" وأصدقاء حامي الدين من يشحذ الهمم دون معرفة تاريخ لذلك.. لا يمكن أن نٌحقر قرار قضائي بإحالة حامي الدين على غرفة الجنايات لمساءلته عن إمكانية تورطه في تهمة المشاركة في القتل العمد. لذلك لم نندهش للخبر، بل القرار تأخر، لكن جاء في آخر مطاف من قبل قاضِ شجاع لم يكترث لشعبوية الحزب الأغلبي الذي يُسيس القضية ويربطها بأطراف لا علاقة لها فكريا وسياسيا وأخلاقيا بهوية ورمزية الشهيد آيت الجيد بنعيسى. لذلك لن نسلك طريق التهييج ولعب دور الضحية، نكشف ما نتوفر عليه من معطيات من أجل تنوير جيل حٌرم من مناضلين ومن حقيقة ظلت مُغيبة لأكثر من عقدين من الزمن، ولن نكون مثل وزراء الحزب الأغلبي، حيث المفروض فيهم واجب التحفظ واتخاذ مسافة في ملف موضوعه وعنوانه جريمة ثابتة الأركان وفي واضحة النهار، جريمة اغتصاب الحق في الحياة والقتل العمد والمشاركة في إزهاق روح مناضل .

في حضرة الشهيد :

لم يكن  الشهيد يخاف سيف جلاديه ولم يكن يعتقد أنه سيغتال بتلك الطريقة لأنه مسالم ومحب للحياة. كان يرفض طأطأة الرأس والفكر سوى لقناعات تمجد الإنسان وتعتبره غاية في ذاته ولا يمكن استغلاله كوسيلة؛ كان يناقش ولا يعي دور الدجالين في تزوير التاريخ. لم يكن جسم بنعيسى النحيف يتحمل الصخر والحجر الذي وضع حدا لحياته قرب مقهى الزهور في واضحة النهار وأمام الناس.. إنها حالة إعدام مستفزة، والاستفزاز الأكبر أن يتم الدفاع عن متهم من قبل "جوقة الوزراء ورجال الدولة" الذي تقتسم معه العقيدة والحزب.. ما قدر المغربي الذي لا ينتمي للأحزاب ولا يستظل بظل النقابات والأحزاب. لذلك الأوفياء للحقيقة وللتاريخ لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام محاولات التأثير على القضاء في قضية الشهيد آيت الجيد بنعيسى بطرق مكشوفة وواضحة..

قضية الشهيد آيت الجيد هي لحظة أخرى لمناصري استقلالية القضاء أن يدفعوا في اتجاه معرفة الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، إنها معركة المناضلين اللذين ينتصرون لهذه الاستقلالية. قضية  الشهيد أيت الجيد محمد بنعيسى تسائلنا جميعا، ولو بتقديم الشهادات والمساهمة في نبش الذاكرة، إذ لا يعقل أن تقوم جهة ما بالتستر على جريمة منظمة مع سبق الإصرار والترصد، والتحيز لصالح القتلة، وعرقلة وتعطيل المساطير المتعلقة بالملف، وحرمان عائلة الشهيد والشعب المغربي من حقيقة ما جرى يوم الخميس 25 فبراير 1993، أما رفاقه يعرفون القتلة، هم من قتلوا عمر وفرج فودة ومهدي عامل وحسين مروة... لستٌ حقودا، إنها الحقيقة التي عاشها جيل التسعينات داخل فضاء ظهر المهراز، وأنا واحد منهم، كان بنعيسى معلمي وصديقي ورفيقي وموجهي في الاختيار والمبادرة بأريحية ونبل .

في يوم الاغتيال

كان المناضل آيت الجيد محمد بنعيسى، كان يوم الخميس 25 فبراير 1993، متوجها إلى حي القدس مسكنه رفقة أحد رفاقه (الحديوي الخمار) على متن سيارة أجرة (طاكسي صغير)، فوجئ بسرب من القتلة يمنع السيارة من المرور ويكسر الزجاج ليخرجهما منها قسرا وينهال عليهما بالضرب مستعملين العصي المصفحة بالمسامير والسلاسل والسيوف وحجر الرصيف... كانت الجريمة، نقل بنعيسى في حالة غيبوبة تامة إلى مستشفى الغساني بفاس حيث ظلا دون عناية طبية.. وفي صباح يوم الاثنين فاتح مارس 1993 لفظ آيت الجيد محمد بن عيسى أنفاسه في غرفة وحيدا، رفقة صغير كان في الزاوية.. كانت ملامح أيت الجيد قد تغيرت، وأيت الجيد رأيته بأم عيني ليلة السبت السابع والعشرين فبراير من نفس السنة، رفقة الرفيق والصديق محمد بربارة، الذي كان يتردد على زيارته ويمدنا بالخبر اليقين بين الفينة والأخرى .

نقلت الجثة بسرية تامة إلى مسقط الرأس، ولم يتمكن الرفاق والأصدقاء من تسليم الجثة، وإقامة مراسيم الجنازة والتشييع، لكن ظلت قضيته حاضرة وستبقى للأجيال جريمة القتل والاغتيال لن يطالها التقادم .

شهادة في حق الشهيد

لم يكن آيت الجيد بجسمه النحيل ممارس للعنف حتى باللغة، كان جسمه النحيف وقلبه الكبير يتسع للاختلاف والحوار والجدل، كان يتواجد في كل ممر ومنعطف في فضاء ظهر المهراز، باسما ومحاورا، كان آيت الجيد يقلق راحة القتلة فتربصوا به من أجل الإجهاز على روحه وقلبه، لا شيء يقلق النكوصيين المتاجرين بالدين أكثر من فكر متنور وجاد .

آيت الجيد محمد بنعيسى، عضو لجنة الجامعة الانتقالية، الذي اغتالته قوى الغدر والظلام، آن الوقت الآن لمحاسبة كل القتلة والواقفين وراء الجريمة.. اغتيل بنعيسى بطريقة وحشية في طريقه إلى مسكنه رفقة رفيقه الخديوي الخمار في واضحة النهار وهو يستلقي سيارة أجرة في حي سيدي ابراهيم بفاس، قُتل غدرا.. لكن روحه تسكن محبيه ورفاقه وعائلته وذويه. والمطلب لن يتوقف في عشق الحرية والعيش الكريم.. كيفما كان الدجًان والدجال.

درس الاغتيال

لا بد من التأكيد على أن الأسباب وراء اغتيال ايت الجيد كانت سياسية بامتياز، وهو ما استدعي فتح نقاش فكري وسياسي حول هذا الملف المؤلم جدا. وتحملت العائلة عناء البحث والنضال لمعرفة الحقيقة، مما دفعها مع بعض المناضلين والغيورين على تأسيس مؤسسة باسمه ومن خلاله تناضل ضد الاغتيال السياسي.

إن إيماننا باستقلال السلطة القضائية يترسخ أكثر؛ والتأثير السياسي الذي يمارسه أنصار القتلة على القضاء يظهر ويختفي، إنه الواقع الذي  لن يثني محبي بنعيسى وأصدقاءه ورفاقه في مواصلة النضال قصد كشف الحقيقة وكل الحقيقة كاملة بكل أبعادها وتمثلاتها حتى يندمل الجرح، ومحاكمة جميع المتورطين في الاغتيال لضمان عدم افلاتهم من العقاب. بناء عليه؛ لابد من إعادة النظر في المبرّرات الضمنيّة والصريحة التي تؤلّف، بين المعتقد والعنف، بطرح السؤال: هل العنف من مقتضيات التدين ومن ضروراته؟ إنّ خاصيّة الإقصاء والعنف التي تميّز الفكر المغلق والإطلاقي بغض النظر عن خلفياته الدينية والإديولوجية والعرقية... هي المولّدة للعنف الذي يتسرّب إلى الفكر المطلق. لم يعد هذا مقبولا في زمن شاعت فيه ثقافة حقوق الإنسان وكونيّة القيم ونسبيّة الحقيقة ومركزيّة الإنسان وترسيخ مبادئ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟

- عبد الغني السلماني، كاتب وناقد