الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الحكيم قرمان: في الحاجة إلى القطع مع المقاربة الإحسانية في المجال الاجتماعي

عبد الحكيم قرمان: في الحاجة إلى القطع مع المقاربة الإحسانية في المجال الاجتماعي عبد الحكيم قرمان

الحاجة باتت ماسة إلى سياسة عمومية في المجال الاجتماعي تروم ترقية الإنسان وصون حقوقه في الحياة، لا عمليات وبرامج تكرس ثقافة التسول والإحسان والاستثمار السياسي في هشاشة المواطنين. وبالتالي الحديث عن البرامج المعتمدة لعقود في معالجة الاختلالات الاجتماعية، يستدعي التأكيد على ثلاثة محاور أساسية، يشكل الجواب عنها من لدن «القائمين على تدبير الشأن العمومي» ببلادنا، المدخل الضروري لتقييم الحصيلة وتحديد مكامن القصور، بالتالي إن توفرت الإرادة السياسية، المرور إلى تقويم حقيقي للسياسات العمومية في المجال الاجتماعي.

- أولا: بلورة سياسة عمومية ناظمة لكل البرامج والصناديق والموارد الموجهة للمجالات الاجتماعية. وهنا نلفت الانتباه إلى أن مجمل التدابير التي اعتمدت، على أهمية بعضها، قد استهلكت نسبة كبيرة من الموارد المالية العمومية واستنفرت كما هائلا من الموارد البشرية واللوجيستيكية المتفرقة في مختلف القطاعات ومشتتة في مختلف ربوع الوطن. بيد أن ما تحقق لحد الآن، لا يسمن ولا يغني من جوع وفقر وهشاشة وتهميش لفئات عريضة من المواطنين... من هنا نقول إن تلك البرامج، رغم نتائج بعضها الهزيلة، ظلت في معظمها، مجالا مفتوحا على إنبات وتثبيت وتوسيع ثقافة الصدقة والإحسان وكرست ثقافة الاستجداء والمحسوبية والإثراء غير المشروع لفئة من المتاجرين بفقر وعوز الناس.

- ثانيا: تجميع كل تلك الموارد المالية الضخمة والإمكانات البشرية واللوجيستيكية المشتتة عبر العديد من البنيات والصناديق والبرامج القطاعية والمبادرات العمومية والخاصة، في نطاق مؤسسة وطنية عمومية منظمة ومؤطرة بضوابط قانونية صارمة وبأنظمة للتتبع والمواكبة والتقييم والمساءلة من لدن السلطات المختصة... من قبيل «المؤسسة الوطنية للرعاية الاجتماعية» ذات امتداد جهوي وترابي لتغطي كافة ربوع المملكة، ترصد وتحول لها كل الموارد المشتتة وتناقش ميزانياتها السنوية ويصادق عليها من لدن ممثلي الأمة في إطار من الشفافية. وتشمل برامجها ومشاريعها وأوراشها الاجتماعية كل القطاعات الحكومية والترابية في إطار أقسام متخصصة ، كل في مجال تدخله، لتسهيل الرقابة الشعبية على مدى تنفيذ البرامج والمخططات، ولتسهيل وتنظيم قطاعات الولوج والاستفادة من الخدمات بشكل ناجع ومنتظم لفائدة المحتاجين للتضامن والمؤازرة الاجتماعية، بالتالي تسهيل عمليات التتبع والمحاسبة.

- ثالثا: القطع مع المقاربة الإحسانية والمناسباتية التي تكون في بعض الأحيان مقتصرة في باب «الإغاثة» أكثر منها عمليات منظمة ومؤطرة بخلفية مؤسسية فاعلة ومستدامة، تعكس التوجهات الاجتماعية للدولة في إحدى المجالات. وعلى ذلك، يمكن أن تتطور السياسات العمومية الموجهة للاختلالات المسجلة في المجال الاجتماعي، أداة ناجعة لتدخل الدولة من أجل ترقية أوضاع فئات عريضة من أبناء الوطن في مجالات توفير السكن اللائق والتطبيب المناسب والتمدرس  الجيد والتشغيل  الكريم والتأهيل النفسي والثقافي والرياضي والايكولوجي لأبناء هده الفئات المجتمعية الهشة... إنها الطريق الآمنة لخلق توازن اجتماعي بين الفئات والجهات بغية إعادة إدماجها في دائرة الإنتاج والنشاط الاجتماعي... عوض أن تظل هذه «البرامج والصناديق» أداة للاستثمار السياسي ولاستدامة وإعادة إنتاج ثقافة التسول والإحسان.

ينبغي إعمال القيم والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان، كما هي معتمدة في دستور البلاد، من أجل بلورة سياسة عمومية إرادية ناجعة ومتناسقة الفروع والبرامج والعمليات في إطار مؤسسة عمومية واحدة تعمل على النهوض بمهامها تحت الرقابة الصارمة للقانون وخاضعة للتقييم والتقويم والمحاسبة... ينبغي إذن، لهذه السياسة العمومية المأمولة، مدخلا رئيسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وأن تكون آلية حقيقية للإسهام في الإقلاع المجتمعي ومحو الفوارق الاجتماعية. وبالتالي القضاء على كل أشكال الفقر والعوز والهشاشة والتهميش... إنها السياسة العمومية المنشودة لتحقيق الاندماج بين فئات المجتمع وتحقيق السلم الاجتماعي والعيش المشترك بما يعزز النموذج التنموي الديمقراطي الحداثي الذي نتطلع إليه.

- عبد الحكيم قرمان، محلل وباحث في علم السياسة