الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الوهاب دبيش: بين التمدن والتدين

عبد الوهاب دبيش: بين التمدن والتدين عبد الوهاب دبيش

هناك مأثور عن الزمن الأول للإسلام يقول إن الإنسان يخلقه الله على الفطرة البشرية التي يخلق بها بني البشر في جميع بقاع العالم، وإن الذي يهودانه أو ينصرانه أو يجعلاه مسلما هم أمه وأبوه. هذه مقولة قد تكون حديثا منسوبا للنبي محمد (ص)، أو قد تكون مأثوراً من الحكم الإنسانية التي حفظتها الذاكرة الجماعية للإنسان العربي.

لكن هذا الرأي ينطوي على قيمة جميلة مردها أن الدول والمؤسسات أو المجتمع لا دور لها في تدين الفرد، بقدر ما يعود إلى قناعة شخصية تخفي علاقة حميمية بين الفرد ومعتقده، وتكمن مسؤولية المجتمع، وعبره الدولة في تعليمه كيفية العيش مع الآخرين عبر سن قوانين وأعراف مدنية تعلم الفرد كيفية العيش في المجتمع  يعرف ما له وما عليه.. وهذه لعمري دروس حياتية تتكفل المدرسة بتلقينها إلى الناشئة، منذ نعومة أظافرها وإلى أن يستوعبوها فتصبح سلوكا مدنيا متعارفا عليه.

مناسبة هذا الكلام، السلوك الغريب الذي شاهدناه من مواطنين نوابا كانوا أو موظفين أو حتى عمالا يشتغلون في مؤسسة دستورية تعبر عن صورة المغرب أمام العالم. لو كانت مدرستنا العتيدة علمت هؤلاء مبادئ التربية على المواطنة، بدل دروس الوضوء وغسل السرة التي أتلفت ناشئتنا منذ الثمانينيّات من القرن الماضي وإلى اليوم، لما شاهدنا ما بدا عيبا وعارا لطخ صورتنا أمام الأمم. لست أدري من المسؤول عن تغييب مادة أساسية لابد منها لتعلم التمدن وحياة التمدن والسلوك الذي يربي على استيعاب المواطنة الحقة .

التربية الدينية التي عوضت هذه المادة لم تعط غير لصوص المال العام، ولَم تفرز غير نخبة همها الوحيد هو إشباع رغباتها الجنسية المكبوتة، ولَم تعط غير فاعلين ليس لهم من هم غير تبخيس دور المرأة في المجتمع، حتى ولو جاءت قوانين ذلك من سيدة محسوبة على التيار الديني.. كان للتربية على المواطنة أن تفرز مجتمعا يؤدي ضرائبهً عن طواعية وعن طيب خاطر.. وكان لها أن تنتج فردا يحترم وطنه، حتى وإن جار عليه، وكان من أهم نتائجها أن تعطينا أفرادا همهم وطنهم بدل بطونهم.

لقد أعطى سلوك طائش صادر عن أشخاص، المفروض فيهم احترام البرلمان، الفرصة للمواطن ليحكم على البرلمان ويدق آخر مسمار في عنصر الثقة المفقودة فيه وفِي من يتحمل فيه صفة النائب..

هل نرجع ذلك السلوك إلى الأمية، وهي فعلا متحكمة في عقول من يلج البرلمان نوابا كانوا أم غير ذلك؟ هل نرجعه إلى أننا لا نتوفر على نواب بقدر ما نتوفر على متملصين  لمسؤولياتهم التي انتخبوا لأجلها؟  ما معنى أن يصيح نائب في وجه صحافي ويسبه، لا لشيء سوى أن الصحافي وجه سؤالا لزميل له؟ اذن لم ترشحت أيها النائب المحترم إذا كنت تريد أن تبقى رجلا بعيدا عن الأضواء وعن كاميرا الصحافة؟ ألا يعكس هذا التصرف الأرعن أن هذا النائب وأمثاله لا هم لهم غير مصالحهم الخاصة، وهي مصالح سال عليها لعابه واستثمر فيها جزءا من ثروته الخاصة؟؟

على الدولة أن تنتبه إلى نبض الشارع، حتى وإن كان شعبويا، وأن تزيح عنا وجوها برلمانية قد تعصف بتصرفاتها ورعونتها ما راكمه البلد من تاريخ لا يحق لأحد أن  يعبث به لأنه ملك للبلد وللشعب برمته.

وفيقو وعيقو...

- عبد الوهاب دبيش، أستاذ جامعي، باحث ومحلل