Saturday 17 May 2025
فن وثقافة

الممثلة هدى الريحاني.. البرتقالة الحلوة..

الممثلة هدى الريحاني.. البرتقالة الحلوة.. هدى الريحاني

على هامش التكريم، الذي سيقام للنجمة المغربية هدى الريحاني، في حفل اختتام الدورة 12 لمهرجان فيلم المرأة بسلا، والذي سيقام مساء يوم السبت 29 شتنبر 2018 بقاعة سينما هوليود..

رغم مسارها القصير نسبيا، ومشاركاتها الفنية المعدودة، استطاعت الفنانة هدي الريحاني، خلال سنوات اشتغالها في المسرح والتلفزيون والسينما، أن تضع اسمها على اللائحة الفنية الحقيقية، وأن تحتل الصدارة في المشهد الإبداعي المغربي، إلى جانب ممثلات مغربيات أصيلات، يشهد لهن بالحضور والنجومية، كثريا العلوي وفاطمة خير ماجدولين وراوية وفاطمة عاطف والسعدية لديب..، وقبلهن الفنانات الرائدات: نعيمة المشرقي وأمينة رشيد وعائشة ما هماه وسعاد صابر وخديجة جمال والشعيبية العدراوي.. موقع احتلته عن جدارة واستحقاق، بفضل موهبتها العميقة المصقولة، وقبل ذلك، السر الرباني المبثوث بين ثنايا ملامحها الفاتنة، إلى جانب الجاذبية الطالعة بكل صدق من عمق كل بسمة ترسمها لحظات الانتشاء والفرح.

بأدوار إبداعية، عديدة متعددة ومختلفة وخالدة، خلود الأعمال الفنية الصادقة، حجزت هدى لنفسها مقعدا فنيا مشرفا، ودخلت دون استئذان قلوب الجمهور الذي أحب إطلالتها وحضورها الطاغي على الشاشات الفضية، جمهور مغربي صعب الترويض والتماهي، أو منح بطاقة مفتوحة لمن لم يثبت موهبته وتوحده مع الأدوار التي يؤديها...

لهدى الريحاني، كاريزمية خاصة وبهاء استثنائي في الأداء، وذكاء قل نظيره في حسن اختيار المخرجين والأدوار، ممثلة تمثل لكنها في العمق لا تمثل، تلبس كل الأقنعة والسحنات و الهيئات، بشكل رباني خلاق: أدوار وأدوار تقمصتها بشكل حربائي متفرد، وأعطتها من موهبتها الخلاقة معاني جديدة، ومنحتها أبعادا فنية غير متوقعة. جميلة حد الفتنة في أدوار، وذميمة في أدوار أخرى، مثقفة وجاهلة وحمقاء وبدوية وظالمة ومظلومة..، هي الواحد المتعدد في الوقوف أمام الكاميرات، والنجمة العالمة المتواضعة في العلاقات، والمناضلة الحقة في المواقف وكل اللحظات..

عشاق الفن وكل متتبعي الكتاب الفني المغربي، يتذكرون إطلالتها الأولى على الجمهور المغربي، في المسلسلات التلفزية: "دواير الزمان" و"المصابون" و"ماريا نصار"..، مثلما يتذكرون بزوغ شمسها السينمائية المتفردة في الفيلم التجريبي المختلف "خيط الروح" لحكيم بلعباس، ومن بعده في عشرات الأعمال التلفزية والسينمائية، نذكر منها: "رحمة" لعمر الشرايبي و"فيها الملح والسكر" لحكيم نوري و"تسقط الخيل تباعا" و"زمن الرفاق" لمحمد الشريف الطريبق و"البرتقالة المرة" لبشرى إيجورك و"الأيادي الخشنة" لمحمد عسلي و"مول البشكليط" لليلى التريكي و"انكسار" لعبد الكريم الدرقاوي و"نهار تزاد طفا الضو" لمحمد الكغاط  و"عايدة" لإدريس المريني..

لهدى الريحاني، قوة فنية داخلية لا يتوفر عليها إلا القلة القلية من الممثلين المغاربة، وإمكانيات إبداعية خلاقة يعدمها الكثير من مدعي الخلق وحسن التدبير، وحضور طاغ على الشاشات والمنابر الإعلامية والأنشطة المجتمعية، والتزام نادر بالوقت والوعود، التزام أهلها لامتلاك قيمة المصداقية واستيطان تخوم العشق والحب والريادة الأخلاقية، ريادة متمثلة في الانضباط للقوانين المرعية والوفاء للمسؤوليات الإبداعية والقرب من النفوس الإنسانية السوية..

في افتتاح الدورة11 لمهرجان مراكش الدولي للسينما، كانت إطلالتها الفاتنة، إطلالة رفقة النجم شاه روخان، من فوق منصة قصر المؤتمرات، رقصت رقصة هندية لافتة، وقفت إلى جانبه بندية واحترافية عالية، استحقت إعجاب وتصفيق الجمهور وبقية الزمرة الحاضرة الفنية، كان الحفل يبغي تكريم النجم الهندي، فصارت هي النجمة المغربية المكرمة، هي الحضور والبهاء وعنوان الاشتغال والحرفية..

كان لي شرف الفوز بصداقة هدى، منذ لقاءاتنا الأولى غير المباشرة، صداقة ستترسخ وتتعمق من بعد في اللقاءات المباشرة الحية، مهرجان هنا وتصوير ولقاءات وندوات هناك، لكن بساتين واحة سكورة الورزازية، تشهد على نبع اللقاء الأسمى والتفرد في الحب والتواطؤ الحق، خلال تصوير شريط "ثمن الرحيل" سنة 2003، في انتظار المناداة عليها للمشهد التالي، قمنا هكذا دون سابق تخطيط، بجولة بين أشجار النخيل السامق، وتجاذبنا أطراف الحديث حول الفن واستكناه كتب التاريخ وخرائط الفضاءات المرمية، مع مسح جغرافية سهول الشاوية وتخوم المدن المنسية، خاصة مدينة "المنزل" الرابضة بين الأحضان الجبلية الأطلسية، حيث جذر الأهل والأصل والمكان. اكتشفت لحظتها، روحا غامرة، وفرحا عارما بالحب، وعشق لا متناهي للحياة، والتقدير المتواصل للمكونات القلبية الضاربة في جذور المعاملات الإنسانية...

منذ لقاءاتنا الأولى، جرت مياه متدفقة تحت جسر الفن والحياة، انتقلت هدى للعيش بالديار الكندية رفقة عائلتها الصغيرة.. انتقال لم يقطع حبل السرة مع الأهل والخلان، مع الفن وتراب الوطن.. تردد دائم ومتابعة لصيقة متتالية.. هناك تسكن وهنا تعيش قلبا وقالبا، بين البلدين تمد قنطرة المحبة الحقة، تسعى لتسطير مسار متفرد في ترجمة القناعات الخاصة، قناعات المعرفة والإيمان بالقضايا العادلة والنضال المساند لقضايا الشعوب التي تعاني من وطأة الفقر وظلم القوى الإمبريالية..

لهدى الريحاني، نرفع القبعة ونبعث حزمة ضوء وياسمين مضمخ بريحان التقدير والمحبة...

الناقد السينمائي عبد الإله الجوهري يتوسط الممثلة هدى الريحاني ورئيس المهرجان نور الدين اشماعو، خلال الندوة الصحفية، التي احتضنتها قاعة الندوات بفندق دوليز