الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد المجيد مومر: العدالة والتنمية.. مأساة عَاهِرَةٍ سياسية؟!

عبد المجيد مومر: العدالة والتنمية.. مأساة عَاهِرَةٍ سياسية؟! عبد المجيد مومر

أظهرت الأزمة الحكومية الجديدة بين حزب العدالة والتنمية وبين حزب التجمع الوطني للأحرار صدقية الانتقادات المُعَقْلَنَة التي كنا نطرحها -كشباب حداثي شعبي- ضمن مقالات عديدة، فلا يمكن لكل عاقل لبيب أن يتجاوز حقيقة القصور الذاتي لأحزاب التحالف الأغلبي الحالي عن تشكيل حكومة ملتزمة أخلاقيا وتعمل بوضوح على تدارك الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة، من خلال اعتماد استراتيجية مندمجة قادرة على إنجاز المخطط الاجتماعي، الذي أعلن عنه الملك محمد السادس.

ولعل التراشق الإعلامي الدائر بين السيد سليمان العمراني والسيد رشيد الطالبي العلمي ينذرنا بكشف الكثير من الحقائق السياسية التي تم طمس معالمها من طرف رئيس الحكومة الفقيه سعد الدين العثماني منذ توليه زمام الأمور. حيث أنه سعى بكل ما أوتي من قوة تضليلية إلى تقديم روايات تبريرية حول تماسك التحالف الحكومي ونجاعة ميثاقه في ضبط الخلافات التي تنخر بنيان الأغلبية الحكومية الهشة .

ورغم أننا -كشباب حداثي شعبي- كنا من أشد المعارضين لأسلوب الفقيه سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، إلا أننا اليوم جد مصدومين من معاينة بحر الإذلال السياسي الذي يغرق فيه حزب العدالة والتنمية. وها نحن نتابع تصريحات حليف "حُرٍّ" لهم يتقاسمون معه غنائم الاستوزار ويشاركونه عملية توزيع "الكيك الانتخابي"، حيث أشار الوزير رشيد الطالبي العلمي، القيادي داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، إلى وجود ما أَسْمَاه: "معركة بين مشروعين مجتمعيين، مشروع ندافع عنه -أي حزب الحمامة- والذي عشْنَا فيه وكْبَرْنَا ومشروع آخر دخيل (يقصد حزب العدالة والتنمية) باغين يْخَرْبُو لَبْلاَدْ بَاشْ يَسْهَالْ لِيهُمْ أنه يْوَضْعُو يْدِّيهُم على لَبْلاَد. هَادْ المشروع الذي يريد تخريب البلاد".

ويبقى الغريب المُسْتَغْرَبُ في رَدِّ سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، على هذا الاتهام الخطير -الذي يستوجب فتح تحقيق من طرف النيابة العامة لتنوير الشعب المغربي حول نوعية هذا الحزب التخريبي الهدام الذي يسعى إلى تقويض أركان الدولة-، يبقى الغريب المُسْتَغْرَبُ أن السيد سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب المصباح، يكتفي -فقط- بطلب توضيحات حول: هل هذه التصريحات تعبر عن رأي شخصي أم هي تصريحات تمثل مواقف رسمية يتبناها حزب أخنوش؟!

لقد كان من الجائز اعتبار هذا التراشق الحاد في الألفاظ أمرا عاديا، لو تعلق الأمر بمواجهة سياسية بين حزب حكومي وآخر معارض، غير أن الواقعة التي نتحدث عنها تجمع فصولها بين حليفين حكوميين يجتمعان كل يوم خميس بمقر رئاسة الحكومة. هذه الواقعة التي أعلنت عن وجود أغلبية تسير الشأن العام بتركيبة حزبية تحمل الضد ونقيضه، تركيبة تحمل "دعاة" مشروع التخريب وكذلك "حُماة" مشروع البناء؟!

ولأن كيفية الجمع بين الضد ونقيضه تظل سؤالا فلسفيا يصعب على الفقهاء ورجال الأعمال تقديم الجواب الكافي الشافي حول ماهيته وجوهره والغاية من هذا الجمع غير المجموع، فسنكتفي بطرح سؤال آخر ينطلق من محاولاتنا البسيطة لمعرفة اسم وماركة هذا اللِّصَاق الفعال، هذه "الكُولَة" السحرية العجيبة التي تضمن لَصْقَ تناقضات هذا التحالف الحكومي الهجين.

مهلاً.. مهلاً !

هذا نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية يعاتب الوزير الطالبي العلمي بِسَرْدِ الحنين إلى السي بنكيران بعد مرور زمن سياسي طويل على إعفائه، إنه سليمان العمراني يذكرنا أن حزب أخنوش هو الذي قاد البلوكاج المعلوم، حيث كتب بحروف الرجعية الزمنية: "هذا هو جزاء “سنمار” مع سي عبد الإله مرتين، المرة الأولى لما أفشلتم مهمته لتشكيل الحكومة وقد أبطأ المفاوضات من أجل ذلك أسابيع من أجلكم، والثانية لما وفَّى لك شخصيا تمام الوفاء وهو رئيس للحكومة وقاد بنجاح مهمة انتخابك رئيسا لمجلس النواب وهو المنصب الذي لم تنله بكد يمينك وكنت خائفا عليه تترقب".

إننا فعلا نقرأ الطلاسم السليمانية لهذا الدايخ اللي مَاشَادْشِ الأَرْض، ونتذكر جميعنا بلاغات الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وتصريحات قياداتها التي لم ترفض إعفاء بنكيران لأنها "لا تعبد الأصنام السياسية"، مثلما صرحت به في العديد من المحطات التنظيمية، وكذلك البيانات التي وافقت على التشبث بحزب أخنوش ضمن نفس التشكيلة الحكومية، بل ها نحن نعيد أيضا تلاوة بيان الرضوخ والقبول بتواجد حزب إدريس لشكر بعد أن رفضه المعزول عبد الإله بنكيران.

واليوم لا يستحي سليمان العمراني في رده الضعيف المُتَرَهِّل من التذكير بأحداث أزمنة سياسية غابرة رغم أن المؤتمرات الوطنية والمجالس الوطنية واجتماعات الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، كلها تجاوزت الإعفاء المعلوم برضا شبه تام، ودافعت عن الاستمرار في التحالف الحكومي الهجين عن طيب خاطر لكي لا تضيع غنائم الاستوزار التي يعضون عليها بالنواجد.

ونختم بمحاولة تقديم جواب واضح وصريح حول التساؤلات التي طرحها سليمان، ذاك الذي ينوب عن الفقيه سعد العثماني، والتي أوردها في رده المكتوب وفق ما يلي:

أتساءل لماذا أنتم باقون في حكومة يقودها حزب بالمواصفات التي ذكرتَ؟ ولماذا تبقى هذه الحكومة أصلا؟؟ شيء ما ليس على ما يرام..

وهكذا نجيب السيد سليمان العمراني -وكل من معه سواء خلفه أو أمامه- نجيبهم بالقول البليغ المبين؛ إنهم باقون معكم لأن حزبكم أو المسماة العدالة والتنمية التي تدعي الحصول على التفويض الشعبي، أصبحت كالعَاهِرَة السياسية التي بعد أن فُضَّت بكارتها الأخلاقية تحولت إلى شرعنة تحالفات كباريه المجون السياسي و الفسوق الانتخابي!

وستبقى هذه الحكومة ذات البرنامج الفاشل لأنكم تحبون كراسي السلطة حُبًّا جَمًّا، وتأكلون غنائم الاستوزار أَكْلاً لَمًّا.. ستستمر الحكومة لأنكم غير قادرين على تقديم استقالتكم و الخروج من نعيمها لمواجهة جحيم المحاسبة الشعبية !

و منه؛ فكل شيء على ما يرام يا كاتب الردود السليمانية، فقط ينقصكم الكثير من الشجاعة الرجولية. فبعد أن فقد حزب العدالة والتنمية كرامته السياسية؛ كيف يا ترى سيدافع عن كرامة الشعب المغربي؟!

اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة السياسية، ولله ما أعطى ولله ما أخذ.

عبد المجيد مومر الزيراوي، رئيس الاختيار الحداثي الشعبي