الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

الباحث عمر الإيبوركي: 86 في المئة من المغاربة يثقون ثقة عمياء في الشعوذة

الباحث عمر الإيبوركي: 86 في المئة من المغاربة يثقون ثقة عمياء في الشعوذة الدكتور عمر الإيبورك

 

استضافت جريدة "أنفاس بريس" الدكتور عمر الإيبوركي المتخصص في علم الاجتماع، وفتحت معه نقاشا حول ظاهرة الشعوذة والخرافات التي ترافق طقوس الاحتفال بعاشوراء، وقال في هذا الصدد متأسفا إن المغرب "يعرف أرقاما مهولة على مستوى الإيمان والاعتقاد بالعين والحسد وممارسة الشعوذة". وأضاف قائلا "الظاهر لا تقتصر على "الإنسان الأمي والفقير بل تفشت حتى في أوساط الطبقات الغنية والميسورة"، معربا عن قلقه بخصوص استفحال الظاهرة بمواقع التواصل الاجتماعي.

++نلاحظ انتشار تجارة وحركة السحر والدجل والشعوذة خلال الأيام العشر من شهر محرم التي تصادف الاحتفال بعاشوراء، ويتضح أن النساء أكثر اقبالا وتصديقا للخرافة في هذا المجال، كيف تقرأ وتفسر ذلك؟

ـ فعلا الملاحظ هو استمرار الفكر الخرافي والاعتقاد بالشعوذة، رغم تطور العلم الحديث. لماذا؟ لأن الفكر الخرافي والاعتقاد بالشعوذة يرتبط ببعض المعتقدات المقدسة، وهذا نجده في جل المجتمعات، ولكن بالنسبة للمجتمعات العربية والإسلامية بالضبط، ومن بينها المجتمع المغربي. فالمقدس كان دائما حاضرا. لماذا؟ للاعتقاد بأنه يحدث تغييرات اجتماعية على مستوى الممارسات اليومية. من هنا يمكن الحديث عن طبيعة تمثلات الإنسان المغربي وخاصة المرأة للتدين. وحينما نتحدث عن التدين فليس المقصود هو الدين بطبيعة الحال. فالتدين هو الممارسة اليومية أو كيف يتصور أو يتمثل الإنسان الدين، وكيف يمارسه، وما هي المعتقدات. من هنا لا يستطيع المجتمع وخاصة المرأة. (لماذا نركز هنا على المرأة؟ فليس من باب التمييز الجنسي ولكن من باب أن المرأة ثقافيا هي الأكثر حفاظا على ما هو تقليدي كأنها هي المساهمة بنسبة أكبر في إعادة انتاج المجتمع السائد)، فمكونات المجتمع ليست غائبة في مجال المقدس سواء على مستوى الوعي أو على مستوى السلوك. والاستمرارية حاضرة، لأن الشعوذة تستخدم في الكثير من السلوكات الدنيوية (مثلا في: التجارة ـ الزواج ـ العلاقات الاجتماعية ـ العلاقات الاقتصاديةـ.....)، اعتقادا من الناس أنها تحقق الغايات وتحقق الأماني التي يعجز الإنسان عن تحقيقها في شروطها الواقعية. الشعوذة هي تجاوز غيبي للقدرات الإرادية، كأن الإنسان يستعين بقدرات لا إرادية مع عجزه الإرادي.

++ كيف تفسر ظاهرة استغلال منصات مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية من طرف أشخاص/ مشعوذين يدعون قدرتهم على علاج كل الأمراض والأعراض الجنسية والعضوية ؟ ولماذا لا يعترف المجتمع المغربي بالأمراض النفسية والطب والعلاجات النفسية؟

ـ لتفسير هذه الظاهرة، مثلا سأنطلق من بعض الأرقام المهولة التي كان قد نشرها أحد مراكز الدراسات الأمريكية (مركز ـ بيو)، حول ظاهرة الشعوذة بالمغرب، حيث أن 80% من المواطنين يؤمنون بالعين والحسد. وهناك 86% يثقون ثقة عمياء في الشعوذة. ونسبة 78% يتوجهون عند فقهاء الدجل والسحر. هنا المجتمع غير العقلاني الذي لا يعقلن العلاقات الاجتماعية، فهو مجتمع يؤمن بالتدخل اللاإرادي للشعوذة والسحر، مما دفع بهؤلاء إلى استغلال وسائل الاتصال ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب زبناء جدد ونشر أفكارهم المسمومة. فبدل أن تقلل وتنقص مواقع التواصل الاجتماعي من الظاهرة عملت على انتشارها واستفحالها بشكل لافت. حيث نجد فقهاء ما يسمى بالرقية، والمختصين في فك الطلاسيم السحرية، وتخليص الجسد من الجن، والترويج لأماكن وأوكار وفضاءات عملهم، ويتم الترويج لأشخاص مقدسين وفقهاء جهابذة في كل شيء، والناس يصدقونهم ويؤمنون بأفعالهم، إيمانا قاطعا وهذا يرتبط بالأمراض النفسية المنشرة. رغم أن الإنسان المغربي لا يؤمن بالأمراض النفسية كما نعرفها علميا. ويمكن معالجتها طبيا، بل إن المجتمع المغربي يرفض وينقص من قيمة الإنسان الذي يتوجه عند الطبيب النفساني. لذلك فهذه الأمراض النفسية تكاد تكون غير معترف بها وهناك أمراض كثيرة تنعكس على العلاقات وأول ما يلتجأ إليه الإنسان هو الدجال والمشعوذ والساحر والفقيه الذي يمارس مثل هذه الأشياء لحل مشاكله أو أحيانا لإخفاء هذه المشاكل النفسية التي لا يستطيع البوح بها.

++ إلى أي حد أن ثقافة الأزمة الاجتماعية وارتفاع نسبة الفقر والبطالة والأمية تساهم في ارتفاع منسوب الإيمان بالدجل والخرافة والشعوذة وسط المجتمع المغربي؟

ـ حينما نتحدث ونناقش، ارتكازا على التحليل السوسيولوجي، دائما في تفسير ظاهرة معينة ننطلق من مجموعة من المتغيرات ومن بين هذه المتغيرات قضية الجهل.. قد تكون النسب مختلفة بين الفقر والجهل، ولكن هذه المتغيرات هي تظافر لإنتاج هذا النوع من الإيمان بهذه الظواهر القدسية. لأن الإنسان قد لا يسمح له الفقر بعلاج أمراضه النفسية ثم أن المجتمع نفسه لم يعترف بعد بالعلاقات الموضوعية وبالأمراض النفسية والأسباب الموضوعية. كذلك عملية التنشئة الاجتماعية ، فالإنسان ينمو في مجتمع معين يؤمن بالخرافات). هذه السلوكات أصبحت جزءا من هوية الإنسان المغربي. وأحيانا تنقص قيمة الفقر فنجد تفشي ظاهرة الدجل والشعوذة والسحر حتى في الأوساط الغنية والطبقات الميسورة، حيث تجد تلك العينات تتردد على المواسم التي تكثر فيها الخرافة، ويقصدون الدجالين والمشعوذين والسحرة، لأنهم يعتقدون اعتقادا راسخا بأن الدجل هو الطريق الوحيد حينما يعجز الإنسان عن حل مشاكله بطريقة إرادية، وينم هذا عن الفراغ النفسي والفراغ العاطفي الموضوعي....

++ كيف تقرأ وتفسر تمثل المغاربة لطقس الماء والنار في احتفالات عاشوراء؟

ـ هناك أساس تاريخي لانتشار فكرة الشعوذة والسحر، حتى قبل الاسلام حيث نجد ذلك في جميع الديانات القديمة (الماء والنار). الماء كان دائما رمزا للتخلص من الخطايا، كما يخلص الماء من الأوساخ والأردان، وهذا الاعتقاد نجده في المذاهب حتى لا نقول في الديانات السماوية، نجده عند اليهود والمسيحيين، فالتعميد عند المسحيين يتم بالماء (شرب الماء للرضيع مثلا)، وانتشر في الاسم مع المذهب الشيعي. لأن هناك في المذاهب القديمة آلهة (إله النور" ما بين الماء والنار"). ونلاحظ قضية النار في طقس الشعالة، وقضية الماء في طقس التراشق بالماء. وهو اعتقاد بأن الماء رمز للتطهير من الدنس والخطايا والذنوب وهو يدخل في باب انتشار السحر والشعوذة. وهذا ليس خاصا بالمسلمين بل نجده في كل الديانات وفي المذاهب الاعتقادية.