الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: إيمانييل ماكرون.. صعوبات داخلية وعزلة اوربية

يوسف لهلالي: إيمانييل ماكرون.. صعوبات داخلية وعزلة اوربية يوسف لهلالي

يواجه الرئيس الفرنسي صعوبات متعددة على المستوى الداخلي، تميزت بتراجع شعبيته الكبير، وصعوبات على المستوى الأوروبي بسبب ضعف المستشارة الألمانية على  المستوى السياسي  وتصاعد قوة اليمين المتطرف المعادي للهجرة وأوروبا، بعدد من البلدان الأوروبية، وهو ما عكسته مختلف الانتخابات، وأصبحت تتزعم هذا التيار إيطاليا. وهو ما يجعل قاطن قصر الإليزيه يواجه حواجز لم تكن في الأفق عند انتخابه مند سنة ونصف. وهذه الصعوبات الخارجية تزامنت مع الصعوبات الداخلية التي تعرفها باريس. وذلك بسبب  الدخول الاجتماعي والسياسي الصعب، والذي يتميز باستمرار ارتفاع البطالة وتأجيل بعض الإصلاحات  المهمة التي أعلنها الرئيس أثناء الحملة الانتخابية، وكذلك انتقادات المعارضة للرئيس التي تنعته "برئيس الأغنياء"، خاصة وسط أحزاب اليسار بسبب اختياراته الاقتصادية، التي يصفونها بالاختيارات الليبرالية التي "تخدم الأغنياء". كما يتهمه بذلك أنصار حزب "فرنسا الأبية". أحد تهم الأحزاب المعارضة بفرنسا والمحسوبة على اليسار.

هذه الصعوبات التي تعرض لها الرئيس الفرنسي في هذا الدخول أججتها استقالة وزيرين من حكومته، وكانا يتميزان بأكبر شعبية داخلها، خاصة نيكولا هيلو، الذي كان يرمز إلى الإصلاحات من أجل بيئة مستدامة وطاقة نظيفة، واستقالته تعني فشل هذا الورش، وانتصار لوبيات الاستمرار والاعتماد على الطاقة النووية والطاقات الكلاسيكية، التي تبعث نسبة كبيرة من الغازات أو ما يسمى الطاقات الغير النظيفة واستعمال المبيدات في الزراعة. بالإضافة إلى استقالة وزيرة الشباب والرياضة لورا فليسيل من منصبها التساؤلات حول هذه الاستقالة ما بين من اعتبرها بسبب غياب الإمكانيات، وبين من أرجع هذه الاستقالة إلى فضيحة تهرب ضريبي للوزيرة، مما من شأنه أن يزيد من صعوبات هذه الحكومة في حالة تعرضها إلى المتابعة وهي  في منصب وزيرة..

هاتان الاستقالتان نتج عنهما تعديل حكومي جزئي وسريع فرض على الرئيس وأغلبيته الذي كان ينتظر نتائج الانتخابات الأوروبية المقبلة من أجل إجراء تعديل حكومي، من المؤكد أنه سيأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات. فهل يستطيع الرئيس تجاوز هذه الازمة ورص صفوف الجبهة الداخلية لعائلته السياسية والاستمرار في الإصلاحات التي وعد بها، وفي مقدمتها إصلاح نظام الصحة وقانون إنعاش النمو الاقتصادي، فضلا عن إصلاح نظام التقاعد والضمان الاجتماعي؟ أم أن الجبهة الخارجية، خاصة بأوروبا ومواجهة ارتفاع قوة اليمين الشعبوي المعادي للهجرة، سوف تطغى على انشغالاته في أفق الانتخابات الأوروبية المقبلة التي ستكون حاسمة حول مستقبل أوروبا؟

طبعا هذه تساؤلات متعددة حول تضارب الأولويات بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون ما بين ضرورة الاستمرار في الإصلاحات الداخلية والحفاظ على الدينامية التي رافقت وصوله إلى الحكومة مند سنة ونصف، وكذلك مواجهة التحديات الخارجية خاصة داخل أوروبا في ظل ارتفاع موجه الأحزاب الشعبوية التي تفوز في الانتخابات، وضعف الموقف السياسي للمستشارة الألمانية أنجيلا ماركيل بسبب موقفها الليبرالية تجاه الهجرة، ورغم القمة التي أجراها الطرفان في مدينة مرسيليا في الأسبوع الأخير، وإعادة تأكيدهما على المواقف من تدبير الهجرة على المستوى الأوروبي، فإن الجميع كان يعرف أن موقف المستشارة الألمانية أصبح ضعيفا وأصبحت عاجزة عن فرض رأيها حتى على حلفائها داخل الائتلاف الذي تقوده مع حلفائها المحافظين في الحكومة. وتصاعد محور آخر بأوروبا تقوده إيطاليا أحد البلدان الجنوبية والمؤسسة للاتحاد الأوروبي، والتي أدارت ظهرها لفرنسا بعد وصول اليمين المتطرف إلى التحالف الحكومي من أجل التعاون مع بلدان محافظة ومعادية للهجرة بشرق أوروبا، وبالتالي أصبحت إيطاليا تقود محورا جديدا متكونا من المجر، بولونيا، وهو محور مناهض للهجرة وضد القيم الأوروبية التقدمية التي تقودها بلدان مثل فرنسا اليوم، وهي ضد  قيام أوروبا بواجبها في استقبال جزء من اللاجئين بسبب الحرب أو بسبب ظروف جفاف البيئة، ولو بنسبة صغيرة كما حدث هذه السنة، حيث لم تستقبل بلدان الاتحاد الأوروبي إلا حوالي 650 ألف طلب قدمت لأول مرة (إحصائيات أوروستات، مكتب الاحصاء الأوروبي)، وهو تراجع بنسبة 46 في المائة مقارنة مع السنة الماضية، وتبقى ألمانيا هي أكبر بلد مستقبل لهذه اللجوء بنسبة الثلثين.. هذا العدد الذي تستقبله أوروبا هو رقم جد ضعيف وهامشي مع العدد الذي تستقبله بلدان مثل الأردن، لبنان أو تركيا، وهي بلدان صغيرة، والتي تستقبل كل واحدة عدة ملايين من اللاجئين، وليس لها القوة البشرية أو المالية لبلدان الاتحاد الأوروبي، وهي المفارقة التي يعيشها عالمنا اليوم.

بالإضافة إلى هذه التحديات الخارجية التي تجعل الرئيس الفرنسي وحيدا على مستوى الجبهة الأوروبية من خلال السياسة التي ينهجها أو التي يريد نهجها في غياب حلفاء، فإن الرئيس الفرنسي يواجه اليوم جبهة أخرى على المستوى  الداخلي، وذلك بسبب الأزمة السياسة والاجتماعية التي تعيشها فرنسا اليوم، والتي تعود إلى تراكم المشاكل وكثرة الوعود التي قدمها الرئيس الفرنسي، وهو ما جعل شعبيته تتراجع بشكل كبير في آخر استطلاعات الرأي.. فبعد الشعبية التي رافقت الفوز بكأس العالم، تعرض الرئيس لسلسلة من الصعوبات منذ بداية الصيف، والتي ارتبطت بقضية بنعلة، لتستمر حتى استقالة وزيرين من حكومته.

قمة مرسيليا الأخيرة بين ميركيل وماكرون لمواجهة محور إيطاليا والمجر لن يدعمها رأي عام فرنسي وأوروبي خائف من الهجرة وأصبح يرى فيها كل مشاكله، ورغم عدم صحة هذه المقاربة، لكنها  مقاربة يتجاوب معها الرأي العام.

الأجنبي والمهاجر بصفة عامة أصبح اليوم يخيف الأوروبيين، وأصبحت قارتهم منطوية على نفسها وتتحول بالتدريج إلى جدار مغلق تجاه الهجرة القادمة من الجنوب، والمحور الذي يقوده الرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ماركيل أصبح ضعيفا، أمام تقوي جبهة تتشكل خصوصا من بلدان شرق أوروبا، تحكمها أحزاب شعبوية، وتتزعمها إيطاليا أحد بلدان الجنوب المؤسسة للاتحاد، وهو توجه جديد أصبح يخيف شركاء أوروبا في الجنوب المتوسطي والإفريقي. هذا المحور الذي يريد أن يحول بلدان الجنوب المتوسطي مثل المغرب وتونس إلى مراكز لحجز المهاجرين القادمين من إفريقيا والهاربين من ويلات الحرب والجفاف والكوارث الطبيعية.. وهو موقف بدأت تعبر عليه المؤسسات الأوروبية من أجل التخلص من الانعكاسات التي تخلفها صور اللاجئين المتدفقين على أوروبا عبر البحر وما يواكب ذلك من مآسي إنسانية تنقل مباشرة عبر الشاشة.

اليوم الجبهة التي يتزعمها إيمانييل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ماركيل والمنفتحة على الهجرة، أصبحت ضعيفة، في مقابل جبهة تتزعمها إيطاليا بمؤازرة المجر وبولونيا، وتعززت بالتقدم الانتخابي للأحزاب الشعبوية، وآخرها كان  بشمال أوروبا وببلد كان هو الآخر منفتحا وهو السويد.