Friday 14 November 2025
Advertisement
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: هل يُعتبَر العفو الرئاسي على "صنصال" إقراراً ضمنياً بصحة ما اعتُقِل من أجله؟!!

محمد عزيز الوكيلي: هل يُعتبَر العفو الرئاسي على "صنصال" إقراراً ضمنياً بصحة ما اعتُقِل من أجله؟!! محمد عزيز الوكيلي
الواقع أن الاعتماد على ما تأتي به وسائل التواصل الاجتماعي، من الأخبار والتحليلات السياسية لأحداث الساحة المغاربية خاصةً، والعربية عامةً، يبقى مطلباً ملتبساً ويشوبه الكثير من الغموض، لأن أغلب القنوات الخصوصية يعتمد على مرجعيات غير موثوقة، وأحياناً مُغرِضة أو مريبة، من ذلك الضرب المشار إليه بتعبير "الذباب الإلكتروني"، وهذه ظاهرة عالمية بامتياز، إلاّ أن المرء يضطر إحياناً إلى القناعة بالقليل حجماً والخفيف وزناً، في غياب الكثير والثقيل، حتى لا يمر بعضُ الأحداث دون التحليل اللائق الذي يستحقه !!
 
الكاتب الفرنسي جنسيةً، الجزائري أصلاً ونسَباً، بوعلام صنصال، اعتقلته السلطات الجزائرية، بأمر من الجنرالات العجزة، لأنه قال كلاما قضّ مضاجعهم، وطرد النوم من عيونهم، إذا سلّمنا بأنهم يجتمعون كل مساء في "نادي الصنوبر حيث الكاس يدور" للخلود للراحة والنوم، حينما جرى على لسانه ما معناه:
 "أن فرنسا لم تستعمر المملكة المغربية لأنها وجدت نفسها إزاء دولة عريقة ضاربة جذورها في التاريخ، ولذلك قنعت بممارسة الحماية على التراب المغربي بشراكة مع إسبانيا، وبخلاف ذلك، استعمرت الجزائر لأنها وجدت نفسها أمام بلد ليس له تاريخ، ولا يشكل دولة بالمفهوم القانوني والعصري لاصطلاح دولة"!!
 
مقولة في غاية الخطورة بلا أدنى شك، خاصة عند جنرالات الجزائر، ولكنها عندنا نحن تستجيب لواقع الحال بلا أدنى مغالاة، ولذلك فالمفكر الفرنسي بوعلام صنصال لم يصف سوى الواقع، الذي لا يرتفع، وبالتالي فاعتقاله كان تعسفياً وانتقامياً، وليس قانونيا، لأن حرية الرأي والتعبير رضعها ذلك الرجل من ثدي دولة "الأخوة والعدل والمساواة"، وتأسَّى فيها بمفكري فرنسا وكُتّابِها وفنانيها، ولم يكن مخطئاً في ذلك إطلاقاً، ولكنه أخطأ حين أتْبَع قولَه الصائب واليسير ذاك بالسفر إلى وطنه الأمّ، حيث وجد ذلك القول ذاتَه قد تحوّل إلى شيء مخالف للصواب وبالغ في الثقل، وفي الخطورة، ليذوق بذلك طعم التنكيل العسكري الذي تسير بذكره الركبان، وليتحوّل بفعل اعتقاله إلى قضية رأي عام فرنسي، وبالتالي أوروبي، وليس راي عام جزائري بكل تآكيد، لأنّ أغلب مثقفي الجزائر قد تنكّروا له، وتحاشَوْا مجرد الإشارة إليه، ما داموا بالجمع والجملة قد باعوا أقلامهم وضمائرهم للمُمْسِكين بزمام السلطة هناك، إما خوفاً من لقاء نفس المصير، وإما طمعاً في القرب من أصحاب الرتب والنياشين، أو لمجرد شراء راحة البال، والبقاء بعيداً عن الأضواء، لأن التعرّض للأضواء في ذلك البلد يجر على صاحبه المتاعب والمصاعب بالقناطير المقنطرة!!
 
المهم... أن النظام الجزائري أسرع في عرض الكاتب صنصال على أنظار عدالة عمياء تتحرك عن بُعد، "بالريموت كونترول"، حتى لا تضِل الطريق وتخرج عن السكة، وصدر في حقه حكم قياسي في سرعته بخمس سنوات حبساً نافذاً، مع العلم بأن عمره وحالته الصحية يفترَض أن يشكّلا ظرفاً من ظروف التخفيف، إن كان في قضاء ذلك البلد شيء اسمه ظروف التخفيف، وهو شيء مستبعَد، ثم تلا ذلك صمٌّ مُطْبَقٌ للآذان حيال دعوات الفرنسيين مفكرين ومثقفين وفنانين وإعلاميبن، وكذا رسميين، وفي طليعتهم الإيليزي ورئيسه بلحمه وعظْمِه، حتى بدأ العالم يسمع عن رغبة جزائرية في مقايضة الإيليزي بالتراجع عن موقفه من ملف الوحدة الترابية المغربية، المعبَّر عنه بكل الصراحة والوضوح الممكنَيْن من لدن الرئيس ماكرون بذاته، مقابل إطلاق سراح بوعلام صنصال!!
 
 يا له من غباء منقطع النظير، أن يجعل ذلك النظام كاتباً مغموراً لم يسمع به أحد قبل اعتقاله في كفة، والوحدة الترابية لدولة أمّة مثل المملكة المغربية في الكفة المقابلة، مضافاً إليها التزام الرئيس إمانويل ماكرون المتوّج بخطابه التاريخي أمام البرلمان المغربي، وفي نفس الكفة أيضاً سمعة الإيليزي بقده وقديده !!
 
ولأن النظام الجزائري أبدى تذبذباً في ردات فعله على دعوات فرنسا إلى إطلاق سراح صنصال، فقد سَهُل الأمر على ماما فرنسا كي تتصل برفيقة دربها الأوروبي ألمانيا، وتطلب من رئيس هذه الأخيرة أن يُلقيَ شِباكَهُ من جهته لعله يصطاد شيئاً، وهكذا كان بالفعل، كما علمنا جميعاً، فاصطادت الشبكة قراراً رئاسياً للسي عبد المجيد تبون، يُصدِر من خلاله عفوَه الرئاسي على الكاتب صنصال، مع الإيعاز للذباب الإلكتروني وصحافة الصرف الصحي في الجزائر لتصف ذلك القرار بكل أوصاف الليونة والسماحة والعطف الإنساني، بدعوى أن صنصال يوجد في وضعية صحية سيئة بدرجة تحركت لها عاطفة الرئيس عبد المجيد، فلم يجد بدّاً من الأخذ بمبدأ "العفو عند المقدرة" !!
لكن الصحافيين، والإعلاميبن عموماً، لم يتركوا الفرصة تمر دون أن يُصدروا إشارات ماكرة إلى ثلاثة عوامل على الأقل:
 
العامل الأول: أن يكون هذا العفو موضوعَ اتفاق مُسْبَق وخفيّ بين الموراديا والإيليزي، على أساس حفظ ماء الوجه الجزائري إزاء "الخصم" الفرنسي، بجعل المبادرة تأتي من القصر الرئاسي الألماني؛
 
والعامل الثاني: أن يكون ذلك العفو طرفاً في مقايضة تتمثل في تمتع الرئيس تبون بالعلاج والعناية الطبية اللازمة لحالاته المرضية الظاهرة والخفية تحت سُقوف أفضل المستشفيات الألمانية؛
 
أما العامل الثالث: فمفاده أن النظام الجزائري لديه طلبات يود أن يحققها ويستجيب لها الطرفُ الألماني، من بينها، مثلاً، التوسط من أجل إقامة صلح حقيقي ووازن بين الموراديا والإيليزي، والعمل بالمناسبة على إصلاح ذات البين بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، الذي يبدو أنه كان ينتظر القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن ليكشف عن وجهه الحقيقي، المائل إلى الموقف المغربي، وخاصة على مستوى تفعيل الاتفاقيات المغربية الأوروبية في مجالات الصيد البحري، والتجارة، الآخذَة جميعها بمبدأ "مغربية الصحراء"، والمُقِرّة بمشروعية إدخال هذه الصحراء بكل خيراتها وممكناتها في كل اتفاقيات التبادل المبرمة بين المملكة المغربية وذلك الاتحاد !!
بيد أن الإعلاميين، أيضاً، لم يتركوا الفرصة مرة أخرى تمر، دون طرح ذلك السؤال الحارق والبالغ أقصى درجات الإحراج، الوارد في العنوان أعلاه!!  
 
 والحق يقال: هل يجوز لنا، بالفعل، أن نعتبر العفو الرئاسي الصادر عن السي تبون إقراراً ضمنياً، أو حتى تجاوُزاً رِضائياً من لدن هذا الأخير، بعد أن أخذ منه العياء مأخذه في العراك حول ملف خاسر استهلك نصف قرن من عمر الدولة الجزائرية نظاماً وشعباً، وتداعى من جرّائه الشعب بالذات، إلى أقصر درجات الانحطاط الاقتصادي والاجتماعي، يشهد على ذلك موقع الجزائر بين الدول، وعزلتها داخل المنظمات والهيئات القارية والدولية، وكذا القومية (العربية)، وانعكاس ذلك بشكل مأساوي على معيش الجزائريين... وقيمة دينارهم في البرهنة على ذلك السقوط أسْطَعُ من نارٍ على عَلَم... عجبي!!!       
محمد عزيز الوكيلي،  إطار تربوي متقاعد.