نشرت بعض التدوينات حول الجماعات الارهابية في سوريا والعراق وأخيرا تدوينة على ما قام به أب من شحن ابنتيه للقيام بعملية انتحارية في مخفر للأمن في دمشق.
في بعض الأحيان أصادف تعليقات معارضة لا تذهب إلى المضمون بل تحاول الالتفاف عليه من خلال زاويتين الاولى ربطنا في حزب الطليعة الديمقراطي ببشار الأسد كحزب تابع للدولة السورية، الثانية الهجوم على اليسار المغربي ككل دفاعا عن فكر وممارسة الجماعات الاسلامية. في هذه التدوينة سأجيب باختصار على مضمون الزاوية الأولى وسأترك الثانية إلى حين.
كثير من الناس وخاصة من الشباب المغربي اليوم يعتقد أننا عندما جعلنا سوريا قاعدة سياسية لتحركاتنا بعد اغتيال الشهيد المهدي، وبعد ذلك تدربنا في الزبداني بسوريا ما بين 1968 و 1970 كان لحافظ الأسد دور فيها، لذلك لابد من ابراز بعض الحقائق وليست كلها خصوصا للشباب :
في فبراير 1966 تحرك تيار اشتراكي قومي بحزب البعث بقيادة نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وحافظ الأسد ويوسف زعين وقام بانقلاب على أمين الحافظ وكان ذلك بعد شهور قليلة من اغتيال الشهيد المهدي الذي تبعه اغلاق جميع مقرات الحزب وفرض كبت وملاحقة شديدة على كل المناضلين، وكانت الساحة الفرنسية والجزائرية والمصرية والسورية وخاصة بدءا من 1966متنفسا للتحرك الحزبي. بعد الانقلاب ظهر تيار اشتراكي يساري ثوري يتزعمه الأتاسي وهو مدني، وطبيب، كان قد تطوع مع الثورة الجزائرية هو ويوسف زعين، وكان هو أيضا طبيبا وكانت الثورة إذاك في الجبال في حاجة ملحة للأطباء، ومن ضمن التيار صلاح جديد وهو عسكري، وقع خلاف كبير مع حافظ الأسد الذي يتزعم تيارا يمينيا داخل البعث ومعه عبد الحليم خدام وعبد الله الأحمر ومحمد حيدر ورفعت الأسد. إذ كان تيار الأتاسي يدعو إلى تصدير الثورة والإطاحة بالرجعية العربية وإلى دعم قوي للثورة الفلسطينية بينما يرى الجناح اليميني ضرورة التصالح مع الدول العربية ومهادنة اسرائيل إلى حين خلق توازن في الردع، ويرى أن هذا التوازن لن يحصل إلا بأموال الدول العربية .
ظهر الخلاف قويا في 1967 حول الحرب مع اسرائيل وحمل التيار حافظ الأسد تبعات تلك الحرب ودعا إلى استنزاف اسرائيل بحرب العصابات، وبلغ أوجه في قيام ملك الاردن بتحريك الجيش الاردني لمحاصرة القوات الفلسطينية فيما سمي بأيلول الأسود في 1970 وهي أحداث ناتجة عن مخلفات معركة الكرامة التي انتصرت فيها المقاومة الفلسطينية ضد الجيش الصهيوني في مارس 1968، في أيلول الاسود هذا قام الأتاسي وصلاح جديد بارسال قوات برية سورية إلى داخل الاراضي الاردنية تتكون من ثلاثة ألوية مدرعة ولواء كومندو ولواء من المقاتلين الفلسطينيين، بالإضافة إلى أكثر من 200 دبابة من طراز تي-55 ولكن بدون حمابة جوية لكون حافظ الأسد رفض بشكل قاطع التدخل وقد استفرد الطيران الاسرائيلي والاردني بتلك القوات وكانت الخسائر جسيمة.
حضر التيار الاشتراكي الثوري الحزب لمحاسبة قادة التيار اليميني بقيادة حافظ الأسد وتم فيه بالإجماع إقالة الأخير مع رئيس الأركان اللواء الركن مصطفى طلاس من منصبيهما. لكنهما لم ينصاعا للقرار وكانا يعملان من أجل تنفيذ انقلاب تم في 16 فبراير 1970، حيث زجا بقادة التيار في السجن، الأتاسي قضى فيه 22 سنة ومرض بالسرطان وأطلق سراحه وسافر للعلاج بفرنسا ولكن توفي بعد أسبوع تقريبا لكون المرض تفشى في كل جسمه. صلاح جديد مات في السجن، يوسف زعين أفرج عنه في 1981 وكان مريضا بعد أن أصيب بالسرطان، فسافر إلى بريطانيا ثم إلى السويد للعلاج، حيث أجريت له عملية جراحية، وبعد شفائه بقي في السويد وهناك توفي في شهر يناير من هذه السنة 2016.
للعلم فقط التيار الذي ساعد حزبنا على التدريب في الزبداني هو التيار الذي انقلب عليه حافظ الأسد وهو الانقلاب الذي حصل ونحن ما نزال في سوريا. وكان التيار لا يحبذ خلق منظمة فلسطينية تابعة للدولة السورية ولهذا كان التدخل العسكري السوري في الاردن دعما للعاصفة التي كانت العمود الفقري للتواجد العسكري الفلسطيني في الاردن والعاصفة هي تنظيم تابع لفتح. كل مناضلينا بعد الانقلاب رفضوا بشكل قاطع الالتحاق بالتنظيم الفلسطيني المرتبط بالسلطة فإما تم الالتحاق بالعاصفة أو بالجبهة. ولم يكن وضعنا بعد الانقلاب كوضعنا قبله، والتفاصيل كثيرة، فلنعد للموضوع السوري، الآن في هذه الظروف نحن في حزب الطليعة لا نتخذ قراراتنا انطلاقا مما تعرضنا له تاريخيا أو من ضغائن أو مصالح حزبية ولا أعتقد أن هناك حزبا سياسيا مغربيا، وربما حزبا عربيا أساء له حافظ الأسد بالقدر الذي أساء لنا، ولكن نحن لا نبني قراراتنا على الاساءات ضدنا، القرار يتخذ أخذا بعين الاعتبار المصالح الأساسية للطبقات الكادحة ومن قراءة موضوعية لدور الامبريالية والرجعية وما يرميان إليه في تنفيذ حلقات الاستراتيجية الكبرى للامبريالة وما يكملها من حلقات تقوم بها الرجعية.
تيار الأتاسي ما يزال حيا وهو يطلق على نفسه حزب البعث الاشتراكي الديمقراطي الثوري ومقره المركزي في الجزائر، ما هو موقفه مما يجري في سوريا الآن؟
في 2011 انخرط في الانتفاضة بكل قواه، مع تصاعد الدعوة إلى العسكرة وقف ضد ذلك وطالب بالحفاظ على سلمية الانتفاضة لماذا ؟ عندما حصل الانقلاب في 1970 كان ما يزال قويا داخل سوريا وكان يمكن أن يحمل السلاح ولكنه لم يفعل لأن ذلك كان انتحارا، الشعب السوري فئات وطوائف وإثنيات متعددة عانت كلها مع الأتراك ومع الفرنسين وقبل ذلك مع عدة حضارات لا يمكن لأي سوري أن يحمل سلاحا إلا إذا أرغم على ذلك، بعد ذلك بدأت الاسلحة الفردية تظهر مع المسيرات بدعوى مضحكة هي حماية المسيرة، وما أن لاحت بوادر التدخل الأجنبي وأمواج الغرباء تدخل من تركيا والأردن ولبنان حتى وقف التيار ضد التدخل الأجنبي، ولكنه لم يستطع وقف الامواج، الآن هو ضمن المعارضة وصوته ضعيف لا يسمعه لا هذا الجانب ولا ذاك.
نحن في حزب الطليعة لسنا مجبرين على التماهي مع هذا التيار ولا مع أي كان في سوريا، هناك مبادئ أساسية استخلصتها الثورات المتعددة .