السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الله جبار: رأي مقتضب عن تقاعد البرلمانيين

عبد الله جبار: رأي مقتضب عن تقاعد البرلمانيين عبد الله جبار، باحث في قضايا الهجرة / إيطاليا

في لحظات اشتداد الصراع السياسي داخل بلد ما، تتكاثر التأويلات وتنتشر التحليلات فيغطي المشهد بسحابة قاتمة تسمح للمنتفعين والباحثين عن المصالح الشخصية بتعبيد الطريق المؤدي للريع في حين يركب فريق آخر الأمواج خلسة وتفوح روائح كريهة، مقيتة تزكم الأنف وتبقي الإنسان تائها ضائعا هنا وهناك، وتعطل معه ناصية العقل والمنطق ويصير معها المواطن المغلوب على أمره والمستضعف في الأرض تحت رحمة الانتظار المجهول، الذي يغيب كثيرا من الحقائق على الأرض والمعطيات في الواقع. هذا ما حصل بالضبط  هذه الأيام. فبدل أن يقدم نواب الأمة إجابات عملية على أحداث أصبح أمرها معروفا في الداخل والخارج، بل أضحت مادة دسمة لوسائل الإعلام، نجدهم يرصون صفوفهم ويرممون ما تصدع في زمن الاختلاف والخلاف بينهم تلبية لنداء الريع ليعضوا بالنواجد على ما ليس حقا لهم.

إنها لعبة الخداع والتزييف التي يتقنها كثير من "الساسة"، يحاولون أن يضعوا بين أيدينا حججا بل قل لدقة تبريرات لإقناعنا و اختبارا لعقولنا، حتى نصدق ما لا يصدق ونبقى على استعداد دائم للتمسك بالأمل الزائف. وهكذا نفهم أن هناك أموراً تجري رغم أنوفنا، وأن محاولات التأقلم مع الفساد والريع السياسيين من خلال مقولات مختلفة كوجود برلمانيين وطنيين سابقين في وضعية صعبة أو أن إلغاء هذه المعاشات سيشكل كارثة بالنسبة للبعض الآخر، إنما هو تخفيف من وقع وخطورة وحدة الحماقة السياسية المقترفة من طرف من كان بالأمس القريب يصدح بصوت عال في قبة البرلمان تحت عباءة الدين ليوهم الشعب بأنه مع الفقراء والمحتاجين و في خدمتهم تحضيرا لفعلة أخرى قادمة أكثر وطأة وألما. إنه تدني ملحوظ في مستوى الأداء السياسي لنخبة مهترئة أصبحت غير مناسبة للزمان والمكان الذي نعيشه، وغير قادرة على مواكبة التقدم ومنافية تماما للحياة النيابية المفروض فيها مسايرة ما يقال أنه التحول المشهود به وأداء الأمانة.

في عز هذه الأزمة السياسية والأخلاقية تظهر أصوات المناضلين الشرفاء أصحاب المبادئ الثابتة، لا يريدون شيئا إلا أمن واستقرار وتقدم وازدهار بلادهم، ليس لديهم أهداف أو مآرب يتاجرون بها للحصول على مكاسب ومأذونيات، بل ما قدموه لا يقدر بثمن، مثل هؤلاء يتعرضون لحملة تشويه مغرضة من المنتفعين وأعداء الديمقراطية، وهو أمر مفهوم وعادي، لأن المناضلين الحقيقيين كانوا وسيظلون دائما شوكة قوية في حلق الفاسدين والكارهين ومن والأهم، من خلال فضحهم وتعريتهم، وتفنيد مخططاتهم.

إنه لمن المؤسف أن يكون لبلدنا سياسيين و أحزابا حالهم يثير الشفقة، فوجودهم من عدمه سيان، فكيف يمكن لنا أن نعيد الاعتبار للعمل السياسي والحزبي والشرخ بين المواطن والأحزاب يتسع يوما بعد آخر، وان حالة هذه التنظيمات مزرية، وأن مسوغات بقائها واستمرارها لم يعد مجد وهي حقيقة مرة تعقد هذا الواقع السياسي المأزوم، وبما يفرضه من تحديات. وفي ظل غياب القدرة على الانتظار، وللخروج من هذا الورطة، ومواجهة هذه الإشكالية التي تقف حجر عثرة في طريق مسيرتنا الديمقراطية، وتعبئة الفراغ السياسي الناجم عن ضعف الحياة الحزبية، لا يجد المواطن من حل إلا الخروج أمام مؤسسات الدولة وحيدا يصدح بحنجرته  تنديدا بهذا العبث السياسي وأملا في غد مشرق، بينما يرى فيه هؤلاء تشويشا عليهم بل أحيانا إخلالا بالأمن.