خلال العقد الأخير لا تتوقف الأسئلة التي تطرح من حين لأخر حول استمرار تردي الأوضاع العامة للشباب، وعن الإهمال والإقصاء الذي يلحقهم نتيجة إخفاق السياسات العمومية المنتهجة لفائدتهم، و يتعاظم القلق خشية الاستمرار في إهمال قضايا الشباب خلال الولاية الحكومية المقبلة.ذلك ان كل المؤشرات تدل أن استفحال نتائج هذا النوع من السياسات يمكن أن يحول هذه الفئة إلى مصدر انعدام الاستقرار وشيوع الفوضى والعنف وصولا إلى التطرف والكراهية، خصوصا في سياق تاريخي يتسم بتحديات كبرى اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية تجعل المغرب أمام خيارات إستراتيجية في معالجة قضايا الشباب وان يضعها على سلم الأولويات الوطنية.
أن التحلي بجرأة القرار السياسي للتصدي لما ألت إليه سياسات الشباب من تراجع ، بالرغم من تواجد قطاع حكومي مكلف بالشباب يجعلنا نطرح عدة أسئلة حول ماهية هذا القطاع،
هل بالفعل وجود قطاع حكومي يعنى بالشباب له بالفعل تصور ورؤية حول مجالات اشتغاله ؟ هل أداؤه يحقق النتاج المرجوة ؟ هل هناك شرعية لبرامج وأنشطة هذا القطاع ذات عمق ومستدامة تنعكس على المؤسسات وتجعلها تحظى بثقة الرأي العام ، وان الطلب المجتمعي حولها حاضر وقائم؟
إن أهمية الموضوع وسياقه الاجتماعي والسياسي، وتزايد الطلب على السياسة الوطنية للشباب تعيد السؤال من جديد حول موقعة هذه السياسة في هندسة الحكومة الجديدة بعيدا عن المقاربات التي تم نهجها لعقود مع الشباب والتي تظل أحدية وملتبسة في كثير من الأحيان. فالشباب الذي يشكل الغالبية العظمى من نسيج المجتمع والأساس للتقدم في مجال الحياة، جدير بسياسة تقوم على ثوابت تفعيل المبادئ والقيم الخاصة بالمواطنة، وتمكن الشباب وفق رؤية شمولية ومندمجة، وتعطي الأولية لمجال التربية والتكوين والثقافة والتشغيل وإعادة النظر في المخططات التي تهتم بسياسة الشباب، وإحداث تغيير على برامج مؤسسات الطفولة والشباب حاليا بمقاربة تشاركيه مع المنظمات والجمعيات الشبابية لتعزيز الدينامية الشبابية المساهمة في التنمية ، وذلك من خلال تعبئة وتعزيز موارد جمعية المجتمع المدني،وهي الأداة التي يمكن استخدامها في جميع القطاعات والنظر إلى المشاركة المدنية كوسيلة لتحسين أداء القطاع العام من خلال "المسؤولية الاجتماعية"،
لذا فالتأسيس لهذه المرحلة يقتضي تعاقدات جديدة لا يمكن ان تتقوى الا من خلال إعادة موقعة قطاع الشباب سياسيا وادريا وبشريا وماليا في منظومة الدولة ، احداث قطاع يهتم بالشباب على مستوى تشكيلة الحكومة تكون برامجه و مهمته الرئيسية قيادة السياسة الوطنية المندمجة للشباب وتناط به إعادة بناء السياسات والمؤسسات والبرامج على منطلقات ومقتضيات الدستور وحقوق الشباب.
إن الأمر يتطلب إعادة النظر في المقاربات التي تؤطر الشباب ،وترسم الصورة العامة للسياسة الشبابية ، باعتبارها الإطار الوطني للعمل مع الشباب وجمعيات المجتمع المدني، وفق منظور يعطي الشرعية للعلاقة التفاعلية مع كل المؤسسات التشريعية والتنفيذية والمدنية ، من أجل النهوض بكل القضايا التي ستعمل على تحسين نوعية خدمات رعاية وتطوير الشباب في إطار إستراتيجية وطنية مندمجة للشباب، خصوصا وأنها بنيت بمقاربة شمولية ومندمجة متعدد ة الأبعاد ذات الصلة بمناحي قضايا الشباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية كانت ولازالت مطلبا ملحا من طرف الشباب،
إن إعادة الاعتبار للسياسة الوطنية للشباب يتوقف على توفر حكامه مبنية على التكامل الوظيفي في الأدوار بين القطاعات والهيئات المشرفة على التنفيذ على المستوى الوطني والترابي (الجهوي الإقليمي والمحلي)، تشرف عليها وتؤطرها خبرة وطنية قادرة على بلورة هذه السياسة على ارض الواقع ، و إحداث هيئة حكومية تسهر على التنسيق بين وزاري لبلورة أهداف ومرامي السياسة الوطنية للشباب ، تأخذ شكل وزارة منتدبه لدى رئيس الحكومة مكلفة بالشباب ، و ان تتحلى بالالتزام السياسي وعلى أعلى مستوى في الحكومة بأكملها والأطراف الأخرى المشاركة بما فيهم الجماعات الترابية ، والقطع مع النموذج التقليدي الذي خيم على التشكيلة الحكومية لسنوات و يجر وراءه اختصاصات ومهام تختزل الشباب في الترفيه والرياضة على حساب العمل القاعدي دو العمق والتأثير في تنشئة الشباب وحمايتهم. وزارة تمتلك الموارد والكفاءات والأدوات الأزمة التي يمكنها من تحقيق أهداف السياسة الوطنية للشباب ، مدعمة بخبرات وطنية قادرة على خلق التوازن التنظيمي السليم والحفاظ على هذا التوازن على المستوى الحكومي والترابي ومع منظمات و جمعيات المجتمع المدني والقطاع الخاص والشباب. وجدير بالذكر أن هذه العمليات لا تستوي إلا بإعادة النظر في طريقة اختيار المسؤولين والحرص على أن يتمتعوا بالكفاءة والخبرة اللازمة خارج منطق المحسوبية والحزبية الضيقة التي جعلت قطاع الشباب في حالة إفلاس.
إن التحولات التي يعرفها المغرب تفرض بناء جودة السياسات الموجهة للشباب والتي تتمن الكفاءة والاستحقاق وتقطع مع أسلوب تضخيم الانتظارات، لتحقيق أكبر قدر ممكن من حاجاتهم الأساسية والسعي إلى إلغاء هاجس التوجس واليأس وعدم الثقة، سياسة فعالة تعيد ثقة الشباب في مشاركته في إطار يحترم الاختلاف والتعددية وينبذ الإقصاء والتطرف. شباب منفتح يشعر أنه خارج قاعة الانتظار.
القصد هو أن تكون السياسة الوطنية للشباب منسجمة مع السياق العام الذي يعرفه المجتمع المغربي، وتتجاوب في جزء كبير منها مع شروط الإصلاح والتحول الديمقراطي والتنموي الذي يحتل فيه الشباب موقع الصدارة والتأطير والتوجيه من أجل تنمية مواطنته وتمكين مشاركته وحقوقه، لأن الشباب اليوم هم أصحاب المطالب الأساسية، وأن أغلبية مقتضيات الدستور تمس السياسات العمومية الخاصة بالشباب ومبنية على قدرات ومدى إمكانية مشاركتهم، مما يستلزم إعادة بناء سياسات ومؤسسات وبرامج الشباب، وبالتالي إعادة هيكلة قطاع الشباب الذي يتوقف اليوم على إرادة وشروط التفعيل بما يكلفه هذا التفعيل من إرادة سياسية قوية وإمكانيات وبرامج ومدة زمنية للتنفيذ.
كتاب الرأي