الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

رشيد صفر: كم من صوت إنتخابي "حلال" تمَّ فرزهُ في الانتخابات التشريعية 2016!! ؟؟

رشيد صفر: كم من صوت إنتخابي "حلال" تمَّ فرزهُ في الانتخابات التشريعية 2016!! ؟؟

يُروى أن سياسيا معروفا في أحد دول العالم (ولا أدري هل هو البيرو أم الموزمبيق !!؟؟)، نصح الناخبين بأخذ المال من أحزاب أخرى والتصويت على لون وعلامة حزبه، مستندا في ذلك إلى خطة لقطع الطريق على المتاجرين في أصوات الفقراء، الذين قد تستمليهم بضع ورقات نقدية إلى صناديق الاقتراع. ويحكي العديد من المغاربة، أن بعض الناخبين يحصلون على المال من سياسي أو حزب ويصوتون على سياسي أو حزب آخر، ومن المعلوم أن مثل هذه الأموال المعروضة على الناخبين في أي بلد، هي عنوان عريض على طريقة غير شريفة في خوض غمار تمثيل المواطنين في البرلمان أو المقاطعة أو النقابة....، لكن يرى البعض، أنها رزق ضائع سيُنعتون أمامه بالغباء وعدم استغلال الفرص، إذا ما امتنعوا عن مد اليد للمتاجرين في المقاعد البرلمانية والجماعية وغيرها، في عملية متطابقة مع فلسلفه التجارة التي تستهدف الربح، إذ يحقُّ لنا هنا أن نقارنها بعملية (شراء منتوج بثمن وبيعه بثمن أعلى) وهو ما يُصطلح عليه بعبارة المُضاربة في التجارة، التي تستوجب أداء الضريبة على القيمة المضافة TVA.

ويبقى السؤال  الذي حيّر المواطن العادي منذ زمن طويل هو:  كم سيبلغ ثمن الصوت الانتخابي بعد شراءه بـ 100 درهم أو 200 درهم، وكيف تتم عملية إعادة بيعه أو تفويته !؟ ويختلف الجواب حسب درجة وعي المُجيب وإلمامه بالسياسة وما ومن يدور في فلكها.

وما يدفعنا إلى إثارة هذا النقاش هو تدوينة بالفايسبوك كتب صاحبها: ( كل الشكر لساكنة عمالة مقاطعة الحي الحسني على ثقتها في حزب المصباح و منحنا 22799 صوت حلال ) ويضيف صاحب التدوينة: (نتائج أمس - ويقصد 7 أكتوبر -، أظهرت بجلاء ذكاء ساكنة الحي الحسني مقابل غباء بعض المرشحين الذين راهنوا على سلطة المال من أجل استمالة الناخبين) - يقصد (عمالة الحي الحسني المحسوبة على الدار البيضاء)-.

بعد الإعلان عن النتائج الأولية لمجريات الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر الجاري بالمغرب، كشف وزير الداخلية النتائج الأولية بعد فرز 90 في المائة من الأصوات، حيث شارك 6 ملايين و750 ألف مغربية ومغربي في الانتخابات التشريعية، وجاء  مؤشر المشاركة بنسبة 43 في المائة، وقد توزع 179 مقعدا بين الحزبين الغريمين حزب المصباح (99 مقعدا) وحزب الجرار (80 مقعدا) فيما اقتسم حزبا الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار 61 مقعدا، بنسبة 31 لـ (الميزان) و30 لـ (الحمامة). وقد جاءت باقي النتائج على الشكل التالي : الحركة الشعبية 21 مقعدا، الاتحاد الدستوري 16 مقعدا، الاتحاد الاشتراكي 14 مقعدا، التقدم والاشتراكية 7 مقاعد، الحركة الديمقراطية الاجتماعية 3 مقاعد، فيدرالية اليسار (2) مقعدين، وحصلت الأحزاب الأخرى المتبقية على (2) مقعدين.

وإذا ما احتكمنا إلى طريقة صاحب التدوينة في تحديد (الصوت الحلال من الصوت الحرام)،  لابد أن نركز على مفهوم "الصوت الانتخابي"، وقد لا نجد تعريفا شافيا ودقيقا له، لكن بعد البحث والتقصي، سنجد دراسات تشرح نظم الانتخابات الفردية والجماعية، وطريقة تجاوبها مع الأنظمة السياسية، لطريقة الحكم في أي بلد، وتسفر نسبة هذه الأصوات الانتخابية في الأخير، عن أغلبية تتأسس بغاية تمثيل السياسيين للمواطنين، في تسير الشأن المحلي والشأن العام وتختلف النسب حسب الإقبال على الصناديق، ونجد في الدستور فصل يعطي الحق للمواطن الراشد في الترشح والتصويت لكن ليس كل مواطن مؤهل أو قادر على خوض غمار الترشح لكن كل مواطن هو مدعو للتصويت وتصله الورقة إلى باب منزله.

وبالعودة لمفهوم الصوت الانتخابي، يبقى التعريف مقرون بدرجة وعي المواطن وفهمه للمصطلحات الانتخابية واللعبة السياسية برمتها، ذلك أن أي مواطن عادي حتى ولو كان غير متمرس في السياسة، يفهم أن الصوت الانتخابي هو ورقة نضعها في صندوق أصبح شفافا بعد أن كان خشبيا، وهو الصندوق الذي يحسم في اختيار "سياسي معين" لكي يدافع عن حقوق الناخبين، وقد يرقى هذا التعريف إلى مسألة التصويت على حزب من خلال الأشخاص، كإشارة إلى انسجام الناخب مع إيديولوجية الحزب وبرنامجه السياسي، لكن يجهل الكثير من الناخبين الفرق بين الانتخابات الجماعية والتشريعية، والفرق بين اختيار كائن انتخابي وحزب سيتقلد مسؤولية قيادة الحكومة، وفي ظل الجهل والأمية وغياب التأطير السياسي للمواطنين، يقع الخلط بين انتخابات (تزفيت الطرقات والنظافة وتسيير الشأن المحلي) وانتخابات اقتراح القوانين وتعديلها أو إلغاءها، وبعد هذا المعطى الواقعي "الذي لا يتناطح عليه كبشان"، يمكن أن نقول بأن العملية تفتقد للمصداقية، عندما يصوِّتُ الناخب على شخص أو حزب مع جهل (المرشح والمصوت معا) لطبيعة ونوعية الانتخابات، التي شارك فيها وطريقة تفعيل النظم الانتخابية وانسجامها مع نظام الحكم، وطريقة مواكبتها ومحاسبتها أمام مسألة تحقيق إرادة الناخبين ومطالبهم وحقوقهم المشروعة، ولا يختلف يساري أو يميني أو جاهل أو عالم أو حاكم أو محكوم، أن ما يأخذه الناخب من المرشح للتصويت عليه وعلى حزبه أو برنامجه حتى ولو كان له برنامج قابل للتطبيق، يعتبر رشوة يتم من خلالها شراء صوت انتخابي مهما بلغ ثمنه، ويعلم الفقير والغني بالفطرة أن عملية مد المرشح المال للناخب، لجره إلى صندوق الاقتراع، تصنِّفُ الأول في خانة : (الحاصل على المال غير المستحق) والثاني في خانة: (غير الأمين والفاسد سياسيا وأخلاقيا)، ويشير أغلب الناس أن هذا الفعل، يجعل المرشح في زمرة المستحقين لعدم الاختيار لكن يتناسون أن الناخب هنا مُصنف في خانة الصوت "الانتخابي التائه" والرخيص في البعد الرمزي حتى لا يقول قائل 5000 درهم أو أكثر ثمن غير رخيص مقابل بيع صوت انتخابي، لأن تصنيف الأول في لائحة "الرَّاشين" حتى ولو كان في رأس اللائحة، لا يعفي الثاني من التصنيف في لائحة "المُرتشين" حتى ولو كان تحت قدم الطبقات الاجتماعية، المكونة لمواطني البلد.