الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المانوزي:تطهير البيئة الحقوقية ودمقرطة الصراع شرط لكل حل !

مصطفى المانوزي:تطهير البيئة الحقوقية ودمقرطة الصراع شرط لكل حل ! مصطفى المانوزي
لقد تم الإسهال في مسألة الاتهام بالانفصال ورافق العملية مطالبة مكثفة بالاعتذار ، والحال أن الاتهام سنة مؤكدة لدى اي نظام سياسي او لوبي، وليس بالضرورة ان نذكر بخطاب يناير1984 الذي اتهمنا فيه، والاجهزة المخابراتية تعلم علم اليقين بأننا ابناء الحركة الوطنية والاتحادية الحقيقية ، اتهمنا بأننا صهاينة وخمينيين، وماركسيين ، وحوكمنا على هذا الأساس جورا، لذلك ستظل التهمة لصيقة بالمعارضين، ليبقى الجواب الحقيقي هو المطالبة بمنع أي اتهام لا يليه تحقيق نزيه وعادل، وإلا سنكرر مأساة الراعي الذي كذب على بني قريته، بكذب الذئاب هاجمت قطيعه، وبعدها سيكون الوطن هو الضحية ، ففرضية الطابور الخامس قائمة ، باعتبار ان دور السفارات ليس فقط تسهيل امكانيات التعاون الدبلوماسي ؛ وانما ايضا تيسير قاعدة " اعرف عدوك " كجزء من استراتيجية نظرية المؤامرة والاختراق والتجسس ، الصناعي والمالي والثقافي والديني، وليس من العيب أن نعترف بان الدولة تقوي موقعها التفاوضي بهذه الأساليب ، وبالموازاة يذهب العقل الامني الى ابعد الحدود في البحث عن خيوط مفترضة ، وان مرور مسيرة الخميس بسلام لا يعني ان الفرضية لم تعد قائمة ، فالانحاء للعاصفة لا يعني بالمطلق صدور صك غفران ، من هنا على مهندسي الحراك ان يحصنوا بيئتهم السلمية والوطنية ، وعلى الدولة ، ليس الحكومة فقط ، ان تسارع الى تنفيذ التزاماتها ، في اقرب وقت ممكن ، قبل حلول الصيف القائض ، فالقرار ينبغي ان يكون سياديا وحازما ، وكفى من تصدير القلق من المربعات الضيقة الى الفضاء العمومي ، فتطهير البيئة الحقوقية شرط لكل حل معقول ؛ وماذا يضير لو أنه تم الاعلان عن ارادة حقيقية لاستكمال تشييد مقتضيات العهد الجديد ، المراهن على القطع مع الماضي بتمثلاته القمعية ورجالات السكتة القلبية ، فالمشكل ليس مشكل بيروقراطية الادارة وشطط موظفيها ، ان المشكل في عدم تمثل مطلب الدولة الاجتماعية ، وعدم الانخراط الكلي في الاصلاح المؤسساتي وتكريس الحكامة الامنية والامن التربوي والقضائي ، وللحقيقة ان هناك أطرافا وأجهزة داخل الدولة والمجتمع نفسه تعارض كل مشاريع التقدم والتنمية،كل من موقعه رغم الأقلية العددية لهذه اللوبيات المقاومة،وبالمناسبة وهي شرط،أذكر بأن هذه اللوبيات لم تحرك ساكنا عندما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تصدير «ديمقراطيتها » إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط،لقد عارضت القوى التقدمية والتحررية هذا التدخل «الديمقراطي»الإجباري بالمطالبة بالإصلاحات الذاتية للأنظمة بوضعها في إطارها الصحيح من حيث العلاقة بين الدولة والمواطنين،وليس في إطار علاقة المواجهة بين المجتمعات الوطنية والغرب لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية،وقد أكدت التجربة والتاريخ هوية من يحمي فعليا الوطن وكرامة مواطنيه والسيادة والشرعية، بل أظهرت أن «الانقلابات» تخطط وتدبر من قبل المحيط والقاعدة الاجتماعية للنظام السياسي،وبالتالي نعتبر أن الإصلاحات تقوي الدولة بدل أن ترهنها ضعيفة أمام التحولات الدولية المتسارعة، وفي اطار النقد والنقد الذاتي ، نتساءل حول دور نخبتنا واحزابنا في هذه الرسالة ، وهي المنهكة بالقمع والتهميش والوصولية والاصولية هناك وهناك ؟
إنه مطروح على من بقي من اليساريين يفكر لحاضر الوطن ومستقبله أن يجدد سؤال مصير الذاكرة النضالية والمكتسبات الحقوقية ، ضمن سياق الإستشهاد بما جرى ويجري لدى محيطنا وجيراننا ، ففي الحالة المغربية نفترض معا أن الدولة في عهدها المسمى جديدا في حاجة إلى دستورها الخاص المعنون بالمفهوم الجديد للسلطة والقطع مع مظاهر الحكم الفردي ، ومسلسل العدالة الإنتقالية ، والذي كان مفترضا أن تقطع به مع دولة الراحل الحسن الثاني . يبدو أن الدولة لم تجدد دماءها بنخبة جديدة ومازالت تعمل بظلال دستور متقادم لايليق بتنمية مواطنة منشودة،وأمام فشلها في تطبيق التزاماتها وتوصيات مستشاريها كحد أدنى؛فإنه لا يسع إلا القول بأن الانتقال يمشي على رأسه، وبدل أن نلمح مؤشرات عدم التكرار بدأنا نعايش مؤشرات مؤسسة تكرار الماضي الموؤود فرضا ،أما الحلول فالأغلبية من ضحايا سنوات الرصاص ، تصبو إلى طي صفحة الماضي الذي واجه فيه العهد السابق انتظارات المجتمع بالقمع والاضطهاد،والآن فينبغي دمقرطة الحوار العمومي وتوسيع الحريات، كنا ومازلنا نتمنى أن توجه إلينا الدولة هذا السؤال في إطار الإشراك في الهم التنموي،وهذا يعني بالأساس أن الحل في التنمية حرية والتنمية تربية،فلا تنمية بدون إطلاق المبادرات في الإبداع والتعبير والمشاركة في التفكير والتنفيذ،ولا تنمية بدون دمقرطة المعرفة بتعميمها واقتسام المعلومة،ولقد اثبتت التجربة التونسية كيف أن جيش العاطلين حركتهم ثورة «الإنترنيت » التي فكت عنهم الحصارالإعلامي وعبأتهم كمنظم جماعي.
وفي مغربنا ، ينبغي تقدير مستوى النضج الذي بلغه الوعي المجتمعي في علاقته بالتعبير الحر والاحتجاج السلميين والحضاري،هذا السلاح الذي صار يخيف الأنظمة البوليسية ويكذب لها حقيقتها الأمنية الخرافية،لأن من يملك الحقيقة الاجتماعية والمعلومة، يملك الشارع، ويملك كل وسائل التأثير والضبط ، غير أنه مطلوب مساءلة العقل الأمني عن تمكين حلفائه من محافظي العقل الإيماني / الديني من فرصة مفتوحة لتدبير الشأن العام الحكومي والتشريعي ، على حساب الديناميات الحقوقية التي تروم دسترة دفتر تحملات توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، وكل مقابل تهريب ثمار الحراك الفبرايري ، وخطته السلمية في تفضيل المحاسبة مؤسساتيا ، وإستبعاد خيار اامحاسبة على الطريقة التونسية، وعوض المشاركة والإشراك السياسي في التدبير وفق المقاربة التشاركية الديمقراطية يتيح فرصة توزيع وتقاسم المسؤولية اقترانا وتضامنا، ويفوت الفرصة على «الخارج» من إمكانيات توريط الدولة في الفساد والإفساد بواسطة عملائه ووسطائه المندسين باسم جلب الاستثمار وجلب الخبرات التقنوقراطية، كانت الفرصة لخصوم حقوق الإنسان وفق المعايير الكونية لمراكمة العلاقات داخل دواليب الدولية ، وإحتلال المواقع الإعلامية والمالية ، في الواقع والعالم الإفتراضي ، إلى درجة أن المبادرات والحملات تضخمت وتماهت المسؤوليات ، مما يهدد الأمن القيمي والأمن القانوني ، وكأننا على ابواب حرب إلكترونية ، لا تستهدف قيم التقدم والحرية والديموقراطية فقط ، ولكنها تهدد كل ما تمت مراكمته من إصلاحات وطموحات ما تحت السقف اللبرالي ؛ مما يستدعي رد الاعتبار للكفاءات الوطنية والعمل السياسي النبيل وتخليق الحياة العامة ، في سياق صراع سياسي وإجتماعي وإقتصادي حضاري و دمقراطي وسلمي ، يتفادى إقتناص عقول المواطنين وولاءاتهم ، وإمتصاص النقمة بالتنفيس تارة أو بالتأليب والتحريض تارات أخرى ، من وراء شاشات التواصل الإجتماعي ، والمعفي " نضالها " من ضريبة او الكلفة ومن المحاسبة والمساءلة .